مكتبة الأدب العربي و العالمي

ﺫﻛﺮ اﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻭاﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻣﻮﻗﻔﺎ ﺑﺴﻴﻄﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﻗﻒ

ﺫﻛﺮ اﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻭاﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻣﻮﻗﻔﺎ ﺑﺴﻴﻄﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮﻗﻒ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺣﻤﻞ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻳﻘﻮﻝ اﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ: ﻭﺃﺣﺎﻃﺖ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﺑﺪاﺭ اﻟﺨﻼﻓﺔ ﻳﺮﺷﻘﻮﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﻨﺒﺎﻝ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﺣﺘﻰ ﺃﺻﻴﺒﺖ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻌﺐ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻭﺗﻀﺤﻜﻪ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺣﻈﺎﻳﺎﻩ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﻤﻰ ﻋﺮﻓﺔ، ﺟﺎءﻫﺎ ﺳﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﺒﺎﺑﻴﻚ ﻓﻘﺘﻠﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﺗﺮﻗﺺ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ.


ﻓﺎﻧﺰﻋﺞ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻭﻓﺰﻉ ﻓﺰﻋﺎ ﺷﺪﻳﺪا، ﻭﺃﺣﻀﺮ اﻟﺴﻬﻢ اﻟﺬﻱ ﺃﺻﺎﺑﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻪ، ﻓﺈﺫا ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻜﺘﻮﺏ: ﺇﺫا ﺃﺭاﺩ اﻟﻠﻪ ﺇﻧﻔﺎﺫ ﻗﻀﺎﺋﻪ ﻭﻗﺪﺭﻩ، ﺃﺫﻫﺐ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ اﻟﻌﻘﻮﻝ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ، ﻓﺄﻣﺮ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻨﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﺰﻳﺎﺩﺓ اﻻﺣﺘﺮاﺯ، ﻭﻛﺜﺮﺓ اﻟﺴﺘﺎﺋﺮ ﻋﻠﻰ ﺩاﺭ اﻟﺨﻼﻓﺔ.
ﻫﺬا اﻟﺤﺪﺙ ﺫﻛﺮﻩ اﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻫﻮ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮﻩ ﺃﻣﺮ ﺑﺴﻴﻄﺎ ﻋﺎﺑﺮا، ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻋﻨﺪﻱ، ﻓﻘﺪ ﺗﻤﻜﻨﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﻠﻮﺏ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاﺩ، ﻭﺃﻭﻟﻬﻢ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ، ﻓﺎﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﻮﻛﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ اﻟﺨﻄﻴﺮ ﻳﺴﻬﺮ ﻫﺬﻩ اﻟﺴﻬﺮﺓ اﻟﻻﻫﻴﺔ.
ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ اﻟﺠﺎﺭﻳﺔ ﻣﻠﻚ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﺣﻼﻻ ﻟﻪ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺗﺤﺎﺻﺮ ﻋﺎﺻﻤﺔ اﻟﺨﻼﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻭاﻟﻤﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﺧﻄﻮاﺕ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭاﻟﻤﺪﻓﻌﻴﺔ اﻟﻤﻐﻮﻟﻴﺔ ﺗﻘﺼﻒ ﺑﻤﻨﺘﻬﻰ اﻟﻌﻨﻒ، ﻭاﻟﺴﻬﺎﻡ اﻟﻨﺎﺭﻳﺔ ﺗﺤﺮﻕ، ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺿﻨﻚ ﺷﺪﻳﺪ، ﻭاﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﺮﻗﺺ اﻟﺠﻮاﺭﻱ! ﺃﻳﻦ اﻟﻌﻘﻞ ﻭاﻟﺤﻜﻤﺔ؟ ﻓﻘﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﺭﻗﺺ اﻟﺠﻮاﺭﻱ ﻓﻲ اﻟﺪﻣﺎء، ﻭﺻﺎﺭ ﻛﺎﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭاﻟﺸﺮاﺏ ﻻﺑﺪ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ اﻟﺤﺮﻭﺏ، ﻭﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﻭاﻟﻠﻪ ﻛﻴﻒ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺗﻘﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻨﺸﻐﻞ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﻮﺭ، ﻭاﻟﺒﻼﺩ ﻭاﻟﺸﻌﺐ ﻭﻫﻮ ﺷﺨﺼﻴﺎ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ اﻟﻀﺎﺋﻘﺔ، ﻭﻣﺎ ﺃﺑﻠﻎ اﻟﻌﺒﺎﺭﺓ اﻟﺘﻲ ﻛﺘﺒﻬﺎ اﻟﺘﺘﺎﺭ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻬﻢ اﻟﺬﻱ ﺃﻃﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﺩاﺭ اﻟﺨﻼﻓﺔ، ﻓﻘﺪ اﺧﺘﻴﺮﺕ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ، ﻓﻘﺪ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻪ: ﺇﺫا ﺃﺭاﺩ اﻟﻠﻪ ﺇﻧﻔﺎﺫ ﻗﻀﺎﺋﻪ ﻭﻗﺪﺭﻩ، ﺃﺫﻫﺐ ﻣﻦ ﺫﻭﻱ اﻟﻌﻘﻮﻝ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ.

الصورة لبغداد أجمل مدن العالم
د / راغب السرجاني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق