نشاطات

نور العيون بقلم أ إبراهيم الشيع عيد

imageنور العيون
ابتسمت نور العيون وهي تراقب حملاً صغيراً يركض وراء أمه محاولاً أن يلتقم ضرعها ليرتوي منه لقد اعتادت نور العيون رعاية الأغنام بدلاً من والدها الذي كبر سنه وأعياه المرض فما عاد قادراً على الرعي . وفي المساء عادت نور العيون بالأغنام إلى البيت ثم أسرعت تقبل يد والدها قبل أن تبدأ في إعداد طعام العشاء حيث اعتادت ذلك منذ وفاة أمها قبل خمسة أعوام ,كان لنور العيون بلبلاً ربته صغيراً وأحبته حباً عظيماً حتى أنه كان يفهم كل إشارة منها .كبرت نور العيون وصارت فتاة حسناء وزاد من حسنها أدب جم وذكاء حاد وخفة ظل جعلت كل الشباب يحلم بها..
كان على بعد من القرية التي تسكنها قصر الملك الذي كان يحاول جاهداً إقناع ابنه الأمير بالزواج لكنه فشل في كل محاولاته بسبب رفض ابنه . وأمام إصرار الملك وإلحاحه اضطر الأمير إلى الموافقة إرضاء رغبة والده لكنه وضع شرطاً تعجيزيا للفتاة التي سيوافق على الزواج منها فكان شرطه أن تتمكن من عد النجوم ليلا..
و في اليوم التالي أرسل مناديا في البلاد يعلن نية الأمير بالزواج ويُبلغ عن شرطه.. سمعت نور العيون بالحكاية واستفزها ذلك بشدة لما رأت فيه غرورا شديدا وتكبرا عظيما فقررت أن تتحدى غروره وتحطم كبرياءه فكتبت له رسالة تحدته فيها أن يحل لغزا لتقبل الزواج منه أما لغزها فكان أن يتمكن من تحويل التراب ذهبا و أمهلته أسبوعًا لحل اللغز على أن يبلغها الإجابة و منحته أسبوعاً آخر ليعرف صاحبة الرسالة و يتوصل إليها.
حمل البلبل الرسالة و طار بها إلى القصر ثم حط على نافذة غرفة الأمير وألقاها على سريره و طار عائدا.. و في المساء دخل الأمير غرفته و آوى إلى فراشه فلمح الرسالة على السرير فأسرع بالتقاطها و فتحها فاحمر وجهه غضبا و صرخ بأعلى صوته منادياً حراسه الذين جاؤوا يركضون فبادرهم سائلاً : من الذي اقتحم مخدعي ؟ وأين كنتم ؟ ارتعب الحراس وأقسموا جميعاً أنهم لم يتغيبوا عن باب الغرفة وأنهم لم يشاهدوا أحداً بداخلها .شغلت الرسالة بال الأمير واحتار في أمر صاحبتها هذه التي تجرأت على تحديه بهذا الشكل.
لاحظ الملك انشغال ابنه وشروده وتغير أحواله فسأله عما به، تنهد الأمير وهو يخرج من جيبه الرسالة ويقدمها للملك وما أن انتهى الملك من قراءتها حتى انفجر ضاحكاً وقال يا لها من فتاة ذكية استطاعت أن تشغل بالك وتغير أحوالك … ثم ربت على كتف الأمير قائلاً : هيا أيها البطل حل اللغز واعثر على الفتاة.
في اليوم التالي استدعى الأمير المستشارين و الحكماء و سألهم من يستطيع تحويل التراب ذهبا نظروا إلى بعضهم مندهشين من هذا الطلب الغريب و مرت الأيام فلم يقدم له أحداً أي تفسير و انتهت المهلة المحددة و لم يستطع الأمير حل الشرط. أدركت نور العيون أن الأمير قد عجز في حل الشرط فأرسلت إليه البلبل برسالة أخرى مددت فيها المهلة أسبوعا آخر و أخبرته أن هذه المهلة الجديدة كرم منها ونصحته بان يفكر جيدا و انه سيصل إلى الحل بمفرده . كان الأمير يشعر بالحيرة و القلق , فخرج يروّح عن نفسه و في الطريق رأى مجموعة من الفلاحين في حقل من القمح فأخذ يتأملهم كانت سنابل القمح تلمح تحت أشعة الشمس كالذهب وكان بريقها يخطف الأبصار,فانفرجت أساريره وعلت وجهه ابتسامة ,وهز رأسه متمتما نعم انه القمح.وفي صلاة الجمعة صعد الأمير منبر المسجد خطيبا بالمصلين وبين في خطبته أهمية الزراعة في حياة البشرية وخاصة محصول القمح هذا الذهب الذي ينبت من الأرض . تناقل الناس خطبة الأمير وحديثه حتى وصل الخبر إلى مسامع نور العيون فأرسلت له رسالة تهنئه بحل اللغز وتذكِّره بشرطها الثاني وفي هذه الأثناء كان الأمير قد أمر بتشديد الرقابة على جميع أنحاء القصر ومداخله، ولما جاء البلبل يحمل الرسالة لمحه الحراس يدخل من نافذة القصر فلما خرج انطلقوا خلفه بخيولهم حتى اختفى عن أنظارهم داخل الغابة ..
اخبر الحراس الأمير بأمر البلبل فاصطحب حراسه متوجهين نحو الغابة حتى وصل إلى مشارف القرية.. اخذ ينظر هنا وهناك حائرا لا يعرف سبيلا وبينما هو يتجول في القرية رأى فتاة ملثمة ترعى الأغنام فاقترب منها وألقى عليها التحية فردت: مرحبا بك أيها الأمير. هل من خدمة أقدمها لك يا مولاي.. وحين هم الأمير أن يتحدث إذا بالبلبل يحط على كتفها.. ,ابتسم وأيقن أنه أدرك غايته بعد جهد كبير.. اقترب منها قائلا: أهلاً بصاحبة الرسالة التي تجرأت على الأمير. وهنا رفعت اللثام عن وجهها فذهل الأمير من جمالها الفتان وحسنها الرائع وسألها عن اسمها وأحوالها ثم ودعها والفرحة ترقص بين ضلوعه وأسرع إلى والده واخبره بالأمر ثم طلب منه أن يخطبها له.
فرحت البلاد بزواج الأمير وأقيمت الأفراح والمسرات في كل ناحية وشبر من المملكة .
تمت

مقالات ذات صلة

إغلاق