مقالات

نحو أحزاب منتجة.. من أجل ممارسة سياسية نافعة للوطن والمواطنين

بقلم الدكتور/ حسب الله مهدي فضله التشادي

لدي اقتراح سبق أن قدمته على صفحات جريدة انجمينا الجديدة منذ عشر سنوات تقريبا، ولم يجد حينها استجابة من الجهات المعنية المتمثلة في قادة الأحزاب السياسية، ورأيت أن أعيده في هذه الأيام عسى ولعله يحظى بقبول واستجابة من البعض، نظرا لما تشهده ساحتنا الوطنية من حراك سياسي محموم، يقابله ترقب حذر وشك متجذر في نفوس المواطنين تجاه ما يقدمه الساسة من وعود وبشائر بتحقيق مستقبل أفضل وتطور أكبر لهذه البلاد، بعد سكون العواصف الانتخابية الراهنة.
ولا يتعلق اقتراحي الذي أعيد تقديمه الآن بالانتخابات الراهنة وحملتها الحالية، وإن كان مستندا إلى بعض حيثياتها، نظرا لكون هذه الانتخابات محسومة النتائج والمخرجات، كما قال أبرز مهندسيها زين بدا : إن الهدف منها الاستمتاع بجمال الأرقام فقط، أو كما قال.

وإنما هو اقتراح موجه لزعماء الأحزاب السياسية علهم أن يستفيدوا منه في فترة ما بعد الانتخابات الحالية، بغية الاستعداد المبكر للانتخابات القادمة التي ستجرى بعد خمس سنوات، لمن قدر الله له إدراك ذلك الحين.
فالتخطيط لبناء الأمم وتحسين مستقبلها لا يقتصر على مرحلة قصيرة ولا على أشخاص أو جيل واحد، وإنما يرتبط بحياة الأجيال القادمة أيضا، خاصة وأن هناك إجماعا وطنيا لدى الشعب والمسؤولين، وأكده حتى المرشحون في خطاباتهم الانتخابية بأن بلادنا تعاني من أزمات مستعصية ومزمنة، تتمثل في الفساد الإداري والجهل والتخلف، والنقص الحاد في ضروريات الحياة وأساسياتها كالماء والغذاء والصحة والكهرباء، وغيرها من الأزمات والمشاكل التي يستحيل تغييرها ومعالجتها بين عشية وضحاها، ما لم تكن مصحوبة ببرامج وخطط دقيقة وواضحة، مدعومة بعزيمة صادقة، وإرادة صلبة، وإدارة راشدة.
وهذا يقودنا إلى جوهر الموضوع الذي أتمنى من زعماء الأحزاب السياسية السعي لجعله أساسا لممارستهم السياسية، وهو:
(العمل لجعل أحزابهم أحزابا منتجة لا مستهلكة، وأن تتحول دعاياتهم القادمة إلى أفعال لا مجرد أقوال ).
وأعني بذلك أن تبدأ الأحزاب في وضع وتنفيذ خطتها العملية للانتخابات القادمة، منذ الفترة الحالية، وذلك بتحويل برامجها وشعاراتها السياسية إلى مشاريع عملية خدمية لمصلحة المواطنين، بناء على نتائج الجولات الميدانية الحالية التي قاموا بها والتي كشفت عن المعاناة الأليمة والحادة التي يعيشها المواطنون في مختلف ولايات البلاد.
فليبادر كل حزب سياسي منذ الآن إلى وضع خطط عاجلة لتنفيذ مشاريع خدمية ملموسة لتخفيف معاناة المواطنين، وفق برنامج مرحلي يراعي الأولويات وإمكانيات الحزب المعني بدءا من مناطق نفوذه وقواعد تمركزه، ثم تتسع الدائرة تدريجيا لتصل إلى نطاق أوسع من ربوع الوطن الحبيب.
وبهذه الطريقة تكون هناك علاقة حب ومودة بين الأحزاب والمواطنين، على مدى خمس سنوات كاملة، بالاضافة إلى تأهيل كادر قوي من أعضاء الحزب، بما يؤهله للدخول في الانتخابات القادمة بصورة مريحة، حيث يقدم مرشحو كل حزب في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية أو البلدية قائمة إنجازاتهم في خمس سنوات قائلين: هذا ما استطعنا تقديمه في الفترة السابقة، وهذا ما نتطلع إليه في الفترة القادمة. وحينها يستطيع المواطنون الناخبون أن يختاروا الأصلح والأنجح بناء على الواقع الملموس لا على الوعود الكلامية، وبذلك تتطور الحملات الانتخابية لتكون مبادرات أفعال لا منصات أقوال، كما تتطور بلادنا وتزهو أمام العالم بأنها قدمت نوعا من الممارسة السياسية التي تسهم في التنمية الوطنية العامة، وتلبي حاجات المواطنين، فتصبح السياسة هي الدواء بدلا من واقعها الحالي بأنها بيت الداء.
وهذا المقترح لا نخاطب به حزبا بعينه، وإنما نخاطب به كل زعماء الأحزاب السياسية، سواء العشرة المترشحين حاليا، أو العشرة الذين رفضت ملفاتهم، أو الأحزاب المتحالفة والتي تريد لها موطئ قدم في الفترة القادمة، بل حتى الأحزاب السياسية التي يمكن أن تنشأ في الفترة القادمة.
فليس من المعقول أن تدخل الأحزاب السياسية بعد الانتخابات مباشرة مرحلة البيات الشتوي لأكثر من أربع سنوات ، حتى إذا حان موعد تقديم الترشيحات تستيقظ من سباتها وتنفض الغبار عن ملفاتها، وتهرع للترشح، ثم تهرع إلى المواطنين لتقديم الوعود المعسولة، بينما يكون المواطن في الغالب يجهل حتى أسماء هذه الأحزاب وأسماء قادتها، بحيث لو وجهت الآن – على سبيل المثال- سؤالا للمواطنين في السوق وقلت لهم: من يذكر أسماء العشرة المترشحين أو العشرة المرفوضين لينال جائزة مالية، لكان من النادر أن يفوز أحد بتلك الجائزة إلا بالاستعانة بقوقل أو الاطلاع على أحد المنشورات.
فضلا عن باقي الأحزاب التي لا تستطيع جهة معرفة أسمائها غير وزارة الداخلية التي منحتها تصاريح عملها.
وهنا قد تقول بعض الأحزاب إنها لا تمتلك إمكانات مالية تمكنها من تقديم مشاريع خدمية للمواطنين، فأقول إن الحزب الذي يسعى إلى السلطة لابد أن يكون له إمكانات مالية وقاعدة جماهيرية مستعدة للتضحية والعطاء من أجل تقدم الحزب الذي تنتمي إليه، والحل الوحيد لمثل هذه الحالة هي إنشاء التحالفات والتكتلات بين الأحزاب السياسية التي تتضامن فيما بينها وتتعاون في سبيل إنجاح برامجها، ولعل ذلك يكون سببا لتقليص عدد الأحزاب مستقبلا حتى تبقى في مستوى معقول يمكن الناخب من التعرف عليها والموازنة الواعية بين برامجها.
إذن، فلتركز أحزابنا السياسية في المرحلة القادمة على تقديم مشاريع تنموية نافعة للمواطنين حتى يكون البيان بالعمل وليس بالكلام.
وحظا سعيدا لجميع المتنافسين في ميدان خدمة الوطن والمواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق