شاعر يأتي من أقاصي الجراحات ،حيث ملح القروح ينكأ الألم ،هناك
على عرش القلب ملكة ،أنثاه وارضه العربيّة وسيّان عنده الأرض والعرض ،جغرافيّة الجسد والتراب واحدة .
من مآسي الأرض المحتلّة، من خذلان العرب، من أوصاب القلب المغدور تتناهي إلينا المراثي الحزينة ، لازمة تتكرّر وتنخر في واقع هشّ بطبعه. تتراءى لناصورة حبيبة متجنيّة اثمة.. والتّناص قدر النصوص ووجه ثرائها فعبر هذا الصّوت الشعري تتصادى آهات العذريين وتحتشد قصص الفراق مجتمعة وتقلبّ اهواء المرأة بالف نشرة جويّة … وتتجلّى ايضا صورةالعاشق المتفرّد بالصّبابة والكآبة، واحد من الذّائبين في حضرة العشق المأزوم …اذ يقول في لازمة تشكلّ صوتا رتيبا ولحنا جنائزيّا
ياحبيب القلب
قالتها لغيري..
ومع الاجراس الصوتية الدّاخليّة ايقاع بصريّ مابين مدّ وجزر كما أهواء النّفس وشروخ الذّات .تلك هي تغريبة العاشق الممتحن بالفراق،تنساب الكلمات امتلاء أو تتراجع خواء.
وشاعرنا يكتب كتابة المتمرّس بالبحور يطوّعها كما يشاء،فيسمح للرّمل ببعض التّداعي الحرّ ومع ذلك هو من احلاس اللغة وفرسان العروض يوظّف الكامل الذي يصلح للشّدة والرقّة أو يمتطي صهوة الوافر ليقول قوله بمراس فحول الشعر.
انّه يخطّ سفر التّكوين ويسعى الى التّفريد داخل التّسريد في قصيدة ساعتزل.هي ثورة المعتزل على صور اهترأت وعلى أنثى القصيد المدلّلة.لذلك يرنو الى صور خلق لا صور استعمال.وهنا يقطع مع النّموذج الأوفى للجمال بل يحوّل الغزلية الى هجائيّة لم نعهدها إلّالماما مع نزار قباني المحطّم لصنم قداسة الانثى في بعض قصائده
إذ يقول في امراة من زجاج
يااجبن الجبناء اقتربي
فبرقك دون رعد
أو في قصيدة ديك الجن الدمشقي
اني قتلتك واسترحت
يا أرخص امراة عرفت
أمّا محمد ثابت فيجعلها كحيّة سامة سيّما أنّه يلجأ الى العدول عبر التشبيه المقلوب
في قوله
الحيًة الرّقطاء
أنت فحيحها..
يشنّ حملة شعواء على امراة تقصر عن الحبّ والفكر منقادة الى غرائزها فلا تعير أيّ اهتمام لمن صدق.
من هنا انحصرالحرف بين وجع ووجع . ومع ذلك لم يثلم وبقيت القصيدة نزفا من جرح غائر وبيان غضب يرجم أخطاء الأمة والانثى في كتابة تلوذ بفيء الجمر كي تكتب الملحمة التي يخطّها شاعر اوقف القارئ في مهبّ الابعاد في نصّ منتافذ على وجود مندحر وخلق منحدر فلا يركن المبدع الى عزلته طويلا ويغمس القلم في مداد الواقع علّه يمسك بتلابيب خالد ابديّ.
وإنّ فلسفة الأنوثة عنده تحمل في طيّاتها وجها ايتقيا للحياة باسرها . من خلف الحجب يرتسم المعنى ثريّا بتلاوين الذاتي والكوني مؤسسا لشعرية ملتزمة لاترى نفسها متعالية في ابراج عاجية ولا مغرقة في تهويمات الخيال بل كثيرا ما يكتب وهو شاعر الأمة عن اوجاعها ونكباتها ولا يتبرأ من الطبائع الارضية فرقا أوقرفا ونحن نحمل معه نبوءة الشعر في أرض اللعنات
بقلم الشاعرة والناقدة
التونسية
هدى كريد

