مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية قِيَمٌ تُحيِي الأُمَم: “بناء الشخصية وأثرها في نهضة المجتمع” (7)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* الكرم: كيف يبني النفوس ويقوي الروابط؟
الكرم قيمة إنسانية نبيلة تعد من أعظم القيم التي تُعلي شأن الأفراد والمجتمعات على حد سواء، فهي ليست مجرد صفة أخلاقية تُمدح، بل هي سلوك متكامل يساهم في بناء النفوس وتقوية الروابط الاجتماعية، بما يحقق الانسجام والتناغم بين الأفراد.
– الكرم في الإسلام
حث الإسلام على الكرم ورفعه إلى منزلة عظيمة، فهو خُلق الأنبياء والصالحين، وجزء من رسالة الإسلام السامية التي تهدف إلى بناء مجتمع متحاب ومتكافل، يقول الله تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ﴾ (البقرة: 272)، ويقول النبي ﷺ: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه” (متفق عليه).
فالكرم في الإسلام ليس مقتصرًا على العطاء المادي فقط، بل يشمل الكرم بالوقت، والعلم، والجهد، وحتى بالكلمة الطيبة.
– الكرم يبني النفوس
الكرم يُعزز الثقة بالنفس ويمنح صاحبه شعورًا بالإنجاز والرضا، فالإنسان الكريم يشعر بأنه مؤثر إيجابي في حياة الآخرين، مما يرفع من قدره أمام نفسه وأمام المجتمع، كما أن الكرم يُغذي القلب بمشاعر الرحمة والمودة، مما يُكسب النفس توازنًا داخليًا وسلامًا ينعكس على سلوك الفرد، الكرم يعيد للإنسان إنسانيته الحقة، فهو لا يقف عند مجرد العطاء، بل يعبر عن جوهر الإنسان المحب للخير.
– الكرم يقوي الروابط الاجتماعية
الكرم وسيلة فعالة لنسج العلاقات الاجتماعية المتينة، فهو يقرب بين الناس، ويُذيب الحواجز التي قد تنشأ بسبب الفوارق الاجتماعية أو الثقافية.
عندما يكون الإنسان كريمًا، يشعر الآخرون بتقدير واحترام، مما يخلق بيئة من المحبة والتعاون. وفي المجتمعات التي تسود فيها ثقافة الكرم، يزداد التكافل الاجتماعي، ويقل الشعور بالغربة أو التهميش.
الكرم لا يعني التبذير، بل هو الاعتدال في العطاء بما يُسعد الآخرين دون الإضرار بالنفس، وهو سلوك يعكس قوة المجتمع وتماسكه.
– نماذج مشرقة للكرم
يُعد النبي محمد ﷺ القدوة المثلى في الكرم.د، فقد كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويفرح بإدخال السرور على قلوب الآخرين، وقد روي عنه أنه لم يردَّ سائلًا قط، وكان دائم البذل حتى في أشد ظروفه.
وفي التاريخ الإسلامي، نجد أمثلة عديدة لكرم الصحابة، كأبي بكر الصديق الصدّيق (رضي الله عنه) الذي أنفق ماله كله في سبيل الله، وعثمان بن عفان (رضي الله عنه) الذي جهز جيش العسرة، وعبد الله بن عباس (رضي الله عنه) الذي كان بيته مفتوحًا للضيوف.
– الكرم في العصر الحديث
في عصرنا الحالي، يحتاج المجتمع إلى إحياء قيمة الكرم في صورها المختلفة، فقد تراجعت هذه القيمة في بعض المجتمعات بسبب النزعة المادية والفردية،
ويمكن للكرم أن يظهر من خلال مساعدة المحتاجين، والمساهمة في الأعمال الخيرية، والمبادرات المجتمعية التي تخدم الناس، كما يمكن للكرم أن يتجلى في صور معنوية، كإعطاء الوقت لمن يحتاج للنصيحة، أو تقديم الدعم النفسي لمن يمر بصعوبات.
إن الكرم الحديث لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يمكن أن يكون سمة للمؤسسات والمجتمعات التي تسعى لخدمة الإنسان والارتقاء به.
-الخاتمة
الكرم ليس مجرد عطاء مادي، بل هو فلسفة حياة تبني النفوس، وتقوي الروابط، وتُعلي من شأن المجتمع، فالكريم ينال محبة الله ورضاه، ويترك أثرًا طيبًا في قلوب الناس، فلنغرس هذه القيمة في نفوسنا ونفوس أبنائنا، لتكون نبراسًا يهدي الأمم إلى القيم السامية.
عنوان مقالة الغد بمشيئة الله تعالى: التواضع: “سر العظمة الحقيقية”
* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، وجمعة مباركة، وفرّج الله عن أهلنا المستضعفين إن شاء الله
مقالة رقم: (1837)
10. رجب . 1446هـ
الجمعة .10.01.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)