مقالات

لماذا…؟ بقلم علي الشافعي

image
في مدارسنا وجامعاتنا تعلمنا الفرق الكبير بين صيغتي السؤال (ماذا ولماذا) , وان الاولى تريد معلومة محددة مباشرة , اما الثانية فتحتاج لبحث وتحليل ودراسة وتعليل وربما تبرير . يعني اذا قيل لك ماذا حدث في الاردن صبيحة يوم الثلاثاء العشرين من ايلول 2016 ؟ فتكون الاجابة محددة , تقول انتخابات البرلمان الثامن عشر , فتكون الاجابة كافية شافية . اما اذا بدأ السؤال بصيغة لماذا , فاعرف انك ستدوخ (سبع دوخات ) وانت تبحث وتحلل وتفسر وتعلل . ثم اعرف ــ يا دام عزك ــ ان اجابتك لن تكون اجابة نهائية . فقد تأتي دراسات وتحليلات وتعليلات تختلف اختلافا جذريا مع ما ذهبت اليه , لذلك لا نستطيع القول انها دقيقة مائة بالمائة . اذكر اننا كنا ندرُس في الجامعة مساق التاريخ العربي المعاصر , وكان المحاضر يحب ان يبدا المحاضرة بسؤال , على سبيل العصف الذهني , كمدخل لموضوع للمحاضرة , لأنه يتحدث في تاريخنا المعاصر , وكثير منا عاصر الحدث او لديه معلومات ولو بسيطة عنه . اذكر يوما انه طرح علينا السؤال التالي : لماذا هُزم العرب في حرب 67 ؟ وثارت عاصفة من الاجابات , لما وصلني الدور قلت : يا دكتور في رايي السبب هو استهتارنا بقوة عدونا . فوجئت به يقول : انت يا بني لخّصت كل ما قال زملاؤك , لكن لا اريدك ان تعتقد انها الاجابة النهائية , ربما تكشف الايام امورا اخرى , تحتاج لتحليلات وتعليلات وتبريرات جديدة . يومها ادركت ان هذا السؤال كبير ومهم وخطير.
اما الذي ذكرني بالمحاضر القدير وسؤاله , فسأقول لكم وامري الى الله , لكن بعد ان ابارك لشعبنا الاردني الغالي هذا العرس الوطني , وللسادة النواب الفائزين في البرلمان الثامن عشر , الذي نتمنى ان يكون اداؤه افضل من سابقه , لتعود ثقة المواطن بنوّابه الافاضل , الذين اوصلهم على اكتافه الى القبة , لينقلوا همومه والامه واماله وتطلعاته لمسؤولين يقيعون وراء مكاتبهم , لا اراهم يعرفون عن معاناة ابناء الوطن شيئا , وغايتهم التفنن في جباية الاموال من جيوبهم , وليس اخرها الضريبة الاضافية على نقل الملكية , بينما اعفت اصحاب مشاريع الاسكانات من رسوم بيع الشقق , لتعبئة خزائن الاغنياء فيزداد الغني غنى والفقير فقرا .
نعود لسؤالنا ــ طيب الذكر ــ لماذا فأقول : المطلع على تنائج الانتخابات لهذا العام يتضح له عزوف الغالبية الصامتة عن المشاركة فيها , بحيث ان نسبة المشاركة في المملكة 36.1% , وان نسبة التصويت في المحافظات الاكثر اكتظاظا بالسكان كانت ضئيلة للغاية , ففي محافظة العاصمة بلغت 23% وفي الزرقاء ثاني اكبر مدن المملكة 25% البلقاء 41% واربد 42% , وان اعلى نسب التصويت كانت في البوادي الشمالية 69 % والوسطى 70% والجنوبية 81% . وهذا ما رفع النسبة العامة .
من حقي كمواطن امثل الطبقة المغلوب على امرها ان أطرح هذا السؤال على حكوماتنا الرشيدة صاحبات المواقف الحميدة والآراء السديدة , فأقول : لماذا تعزف الغالبة عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية , رغم ان المنطق يحتّم عليها المشاركة , فالأصل ان مجلس النواب منهم ولهم , يدافع عن حقوقهم ويحمل همومهم .
في الدول التي تعرف حقوق مواطنيها , وتعلم انها وجدت اصلا لخدمتهم , عندما يحدث مثل هذا الامر , تستنفر كافة اجهزتها للتحليل والتعليل واستخلاص النتائج والعبر , لتلافي الاخطاء في المرات القادمة . اما عندنا فالمسؤولون يعترفون ان هذه النسبة اعلى بقليل البرلمان السابع عشر, لكن الحكومة يومها لم تكلف نفسها عناء طرح هذا السؤال , ومحاولة الاجابة عليه , رغم ان النتائج كانت بين يديها طيلة ثلاثة اعوام , فماذا فعلت لتحفيز المواطن على ممارسة حقه في الانتخاب ؟ ام انها عملت دراسات وتحاليل ونتائج , وضعت في الادراج وغيّبت حتى لا يستفاد منها في قادم الايام .
لماذا ؟ سؤال وجيه اذن . لكن دراسة واحدة لم تظهر للعلن وتكون جريئة فتبين اسباب عزوف هذه الفئة عن المشاركة , وتضع الخطط لمعالجة هذا الخلل . سأحاول ــ وانا احد افراد هذه الفئة ــ الاجابة على هذا التساؤل على قدر فهمي ومعرفتي , فالساكت عن الحق شيطان اخرس , اقول : يا سادتي اسمعوني , هذه الفئة والتي تمثل الشريحة الاكبر في المجتمع , تحس نفسها مهملة ومهمّشة ومقهورة مطحونة , يجري الرجل فيها جري الوحوش لتامين لقمة العيش لأطفاله , ليجد من ينازعه عليها ويسرقها قبل وصولها الى افواههم , قسم يعزو ذلك لارتفاع السعر في بلد المنشاء . واخر يفرض رسوما وضرائب كسرت ظهر هذه الفئة . وهي ترى نوابها الذين اوصلتهم الى القية يركبون سيارات ما حلم المواطن البسيط ان يتصور بجوارها , اضافة الى الرواتب والحوافز والرواتب التقاعدية التي جبيت اصلا من جيوب هؤلاء المغلوب على امرهم
في مجالسنا يتحدث المواطن البسيط فيقول : سمعنا من النواب شعارات كثيرة اثناء حملاتهم الانتخابية , وكنا نراهم يتجولون بيننا واعدين وملبيين , ثم ما عدنا نراهم , بل رحلوا ليسكنوا في فلل فخمة في ارقى احياء العاصمة . لماذا ؟ هل حلّوا لنا مشكلة واحدة من مشاكلنا الصحية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية . هل انخفضت الاسعار , هل حوسبت الحكومة على الالية التي يتم بموجبها احتساب تسعيرة المشتقات النفطية شهريا , رغم تدني اسعار النفط الخام . هل خفّضت فاتورة التعليم الجامعي التي استنزفت الرواتب وافرغت الجيوب . هل وقفوا مع المواطن عندما تضاعفت فواتير الماء والكهرباء , كم مرة حاسبوا الحكومة وطرحوا بها الثقة واسقطوها , بعد ان تبين لهم ان بعض منتسبيها استغلوا وظيفتهم وعيّنوا اقاربهم مستشارين برواتب خيالية , هل عين ابن فقير يوما مهما حمل من شهادات في منصب نائب مساعد نائب مدير مكتب وزير . هل تغير علينا شيء على مر البرلمانات السابقة , اذن لن يكون هذا البرلمان بأصلح من اسلافه .
اما ارتفاع النسب في البوادي فالسبب عشائري محض , ولا دخل له بأداء النواب , وكذلك فأهل البادية لا يعانون تعقيدات المدنية التي يعاني منها اهل المدن فاعتمادهم الكلي على ما تنتج مواشيهم واغلبهم بعيش في بيوت الشعر واراضيهم شاسعة , فلا يخضعون لابتزاز الملاك واصحاب الاراضي والشقق السكنية التجارية والفندقية . وسياتي علينا يوم نحزم حقائبنا , ونحمل عصا الترحال ونلقي بها غي البادية , ففيها العدالة والكرامة اكثر ولقمة العيش اوفر.
هل عرفتم اذن ــ يا ايها السادة الكرام ــ سبب عزوف هذه الفئة عن ممارسة حقها الانتخابي , واذا سألتموهم سيقولون لكم : لا نريد نوابا يركبون اكتافنا , لتقول لنا الحكومة : هؤلاء هم نوابكم وانتم اخترتموهم بإرادتكم , فذوقوا وبال امركم وعاقبة اختياركم . نريد نائبا يحمل همومنا ويدافع عن مصالحنا . ويتألم لأوجاعنا , ياكل مما ناكل , ويبقى ساكنا في احيائنا الشعبية التي خرج منها , ولا يتأفف من المرور بها . نريد لقمة خبز مغمسة بقليل من العدالة على شيء من الكرامة . طبتم وطابت اوقاتكم .

مقالات ذات صلة

إغلاق