مكتبة الأدب العربي و العالمي

الغابة_المسحورة النصف الثاني والنهايه

وأقول الكلمة السحرية التي يرددها الساحر ثلاث مرات، فيزول السحر
وفي هذه الغابة طريق موصل إلى الحجارة البيضاء التي توصل إلى الحجرة السحرية. هذا كل ما أعرفه، وما أستطيع أن أخبرك به. فسألها نبيل: أخبريني من أنت؟ وكيف كان شكلك عندما جئت إلى هنا؟ هزت القطة البيضاء رأسها، وقالت: أحضر المرآة السحرية أولاً، واعرف الكلمة السحرية التي بها يزول السحر، إذا كنت سعيد الحظ. وفي ذلك الوقت سترى صورتي على حقيقتها، وستعرف كل شيء عني.
وافقها نبيل على رأيها، ثم سار في الغابة؛ ليبحث عن الحجرة السحرية، والليلة مقمرة، والقمر طالع يضيء الطريق. مشى بشجاعة وسرعة في الغابة المسحورة، وبعد قليل رأى طريق الحجارة البيضاء بين الأشجار. اتجه نبيل إلى ذلك الطريق، ووجد أنه يوصل إلى مغارة، لها باب كبير من الحجارة المنقوشة. مس ذلك الباب، ففتح في الحال، فعجب كل العجب. وحينما دخل المغارة أصغى، ولكنه لم يسمع أي صوت فيها. وقد اعتادت عيناه الحياة في الظلام بالريف، فلم يخف، ونظر حوله، فرأى باب في آخر المغارة من بعيد، فاتجه إلى ذلك الباب، وفتحه، فوجد هناك رجلاً يلبس كما يلبس الأمراء، ويجلس ظهره إلى الباب، وهو ينظر في صندوق وضع أمامه على المنضدة (الطرابيزة). لم يلحظ الرجل نبيل، ولم يره. وقد اعتقد نبيل أن هذا هو الساحر عينه، فوقف ساكناً لا يتحرك، وسمعه يردد الكلمات الآتية ثلاث مرات: “أت سرب، أت سرب، أت سرب”. ثم رأى الرجل نفسه بعد مدة قصيرة قد تحول إلى قزم كبير السن، نحيف الجسم. أقفل القزم الصندوق الذي على المنضدة، ثم وقف، فرأى نبيلاً، وقابل نبيل الساحر الشرير وجهاً لوجه بكل شجاعة. ذهب الساحر إلى الصندوق ليفتحه، ويخرج منه المرآة السحرية، فوجده مقفلاً. وكان مفتاح القفل معلقاً بخيط حول رقبته. وحينما فتح الصندوق بالمفتاح، وأخرج المرآة منه، تذكر نبيل ما قالته القطة البيضاء عن المرآة السحرية التي في الصندوق. وقد فكر الساحر في أن يجعل نبيل ينظر في المرآة، ليحوله إلى صورة أخرى، ويتحكم فيه، ويسيطر عليه. عرف نبيل ذلك جيداً، ولم يخطف المرآة منه خوفاً من أن تكسر، وهو يريد أن يحصل عليها بكل وسيلة؛ ليحول القطة البيضاء إلى صورتها الأولى، وينجيها من الاستعباد، ويعيد إليها الحرية.
أخذ القزم القبيح المنظر المرأة السحرية في يده، وزحف ببطء جهة نبيل، وأراد أن ينظر إليها نبيل ليسحره، ويجعله عبداً من عبيده، وخادم من خدمه. وقد استعد نبيل للقبض على القزم، بذراعيه القويتين وأخذ المرآة السحرية منه. ولكن حينما اقترب القزم منه صدمت رجله في حجر، فوقع على الأرض، وسقطت المرآة السحرية من يده على الحشيش قبل أن يقبض عليه نبيل. أراد نبيل أن يلتقط المرأة من الأرض، ليطمئن على أنها لم تكسر، ولكنه سمع صوتاً عذباً يحذره، ويقول له: لكي تحافظ على نفسك لا تنظر إلى المرآة! لا تنظر إلى المرآة! نظر نبيل فوق رأسه لترى صاحب الصوت، الذي ينصح له، فوجد على غصن الشجرة التي في المغارة طائراً جميلاً جسمه مغطى بالحرير الأبيض، وفوق رأسه نقاب (برقع) عروس. زحف القزم نحو المرآة، وأراد أن ينتهز الفرصة ويأخذها ونبيل مشغول بالنظر إلى الطائر ولكن الطائر قال لنبيل: أسرع وخذ المرأة قبل أن يأخذها الساحر، واحذر أن تنظر إليها. فخطف نبيل المرآة السحرية، والتقطها من الأرض قبل الساحر، ووضعها مقلوبة على المنضدة، ثم تفرغ للقزم وأمسك به من رقبته، وقال له: أخبرني عن الكلمة السحرية التي بها يزول السحر عن القطة البيضاء، وعن هذا الطائر، وأعطني المفتاح الذي حول رقبتك، وإلا قتلتك. امتنع القزم في البدء، ولكنه خوفاً على نفسه عرفه الكلمات التي بها يزول السحر، وقطع نبيل الخيط الذي في رقبته، وأخذ المفتاح منه غصباً، فتحول القزم الشرير في الحال إلى ضفدعة قبيحة المنظر، وأخذت تزحف على أرض المغارة. كتب نبيل الكلمات السحرية حتى يتذكرها، ولا ينساها، ووضع المرآة في الصندوق المعدني، ثم أغلق غطاءه، فسمع الطائر الذي فوق رأسه يغني غناء عذباً بصوت جميل. وبعد أن انتهى الطائر من غنائه: نظر إليه نبيل، وسأله: من أنت أيها المخلوق العذب الصوت؟ أعتقد أنك من سيئي الحظ الذين أساء إليهم الساحر الشرير بسحره.
نزل الطائر المغنى من فوق الشجرة، ووقف على المنضدة التي وقف نبيل بجانبها، وأخذ يخبره حكايته ويقول: منذ سنوات طويلة كنت فتاة من الفتيات الجميلات. وأسمى لطيفة. وكنت أغنى كثيراً بصوت عذب جميل، وفي يوم من الأيام خطبني راع من رعاة الغنم. وكنت سعيدة في حياتي مع أسرتي. وقبل أن أتزوج بيوم واحد لبست ملابس الفرح والعرس؛ لأجربها على نفسي، وأتأكد من أنها مناسبة لجسمي. وأخذت أغني غناء يدل على أني مسرورة سعيدة، فسمعني الساحر الشرير وهو مار في الطريق، يلبس كما يلبس الفلاحون الذين يزرعون الأرض، وأعجب بصوتي، فدخل من باب حجرتي كأنه زوبعة أو ريح شديدة، وأخذني وأنا بملابس الفرح، وحملني إلى هذه الغابة، وطار بي كالريح في الجو، وأخذت أصيح بأعلى صوتي، وأطلب من يساعدني ويخلصني من بين يديه، وخرج خطيبي وأهلي وأقاربي ورائي، وحاولوا إنقاذي، فلم يستطيعوا، ورجعوا كما أتوا. ومنذ ذلك الوقت أعيش طائراً في الغابة، وأغنى للساحر في أي وقت يريده، وأشتغل كأني مغنية خاصة به. تألم نبيل لحالها، وفتح الصندوق، وأخرج منه المرآة السحرية، وأبعدها عن وجهه، وقال لها: انظري إلى المرآة، وكررى هذه العبارة السحرية: “أت سرب” ثلاث مرات، ليزول عنك السحر، وترجعي إلى صورتك الأولى. نظر الطائر إلى المرآة، ونفذ ما أمر به، فتحول الطائر في الحال بقدرة الله إلى فتاة جميلة تلبس ملابس الفرح والعرس كأنها في ليلة الزفاف والزواج. عجب نبيل كل العجب، وتأكد أن هذه خطيبة الراعي. ولحظ أنها صغيرة السن، في حين أن عريسها الذي انتظرها كل السنوات الطويلة الماضية صار هرماً (كبير السن)، أبيض الشعر، مجعد الوجه.
أسرع نبيل، وذهب إلى المكان الذي ترك فيه القطة البيضاء، والقمر طالع. وتبعته العروس الجميلة، فوجد القطة تنتظر رجوعه، وقد استغربت حينما رأت معه هذه العروس. فقال لها: لقد أخذت المرآة السحرية من الساحر، وعرفت الكلمة السحرية التي يزول بها السحر، وقد رجعت إلى صورتها الأولى، وصارت الآن حرة، ولا سلطان لأحد عليها. وقد عاقب الله الساحر، وصار ضفدعة، وزالت عنه قوته السحرية، بعد أن أخذت منه الصندوق المعدني، ومفتاحه، والمرآة السحرية، ولم أقتل الضفدعة، وتركتها لحالها. ويكفي عقاباً للساحر أن تكون ضفدعة طول حياته. فتح الصندوق، وأخرج منه المرآة، وناولها للقطة البيضاء، فنظرت إليها، وكررت العبارة السحرية ثلاث مرات، فزالت القطة، وتحولت إلى صورتها الجميلة الأولى، ووقفت مكانها ابنة العمدة التي خطفت ليلة عيد ميلادها أمام نبيل، وهي تلبس رداء (فستاناً) من الحرير الذهبي اللون، وحذاء أصفر، وعيناها زرقاوان جميلتان. رآها نبيل، فأحس أنه وجد أخيراً الفتاة الكاملة التي يريد أن يتزوجها. وتأكد أنها ابنة العمدة المخطوفة، ابنة الشيخ مصطفى. وحينما طلعت الشمس ذهب نبيل وابنة العمدة وعروس الراعي إلى مدخل الغابة المسحورة، فوجدوا الطيور الثلاثة البيضاء لا تزال نائمة، كما تركها، فأخرج نبيل المرأة من صندوقها، وحركها أمام الطيور النائمة، وكرر الكلمة السحرية ثلاث مرات، فتحولت في الحال إلى ثلاثة أحصنة بيضاء، وأخذت تصهل؛ كأنها تريد أن تترك هذه الغابة السوداء. ركبت ابنة العمدة حصان، وركبت عروس الراعي حصاناً آخر، وركب نبيل الحصان الثالث، ورجعوا جميعاً، وكان نبيل في المقدمة، لأنه عرف جيداً أن الراعي الأمين ما زال ينتظره تحت الشجرة في الحقل، وأمامه الغنم. فكر نبيل وهو راكب: كيف يكون شعور الراعي الكبير السن حينما يرى عروسه لطيفة الجميلة ثانية، وكيف يكون شعورها حينما ترى عريسها بعد هذه السنوات الطويلة، وتحس أن حبه العميق لا يزال في قلبه كما كان عندما خطفت منه، وأنه انتظرها عشرات من السنين، ولم يفكر في غيرها، واستمر مخلصاً لها الإخلاص كله تلك السنوات الطويلة.

وحينما وصلوا إلى الراعي عرف عروسه، وناداها باسمها، وعرفته، ونزلت من فوق حصانها، ورمت نفسها بين ذراعي عريسها. فتح نبيل الصندوق، وأخرج منه المرآة السحرية، وقال للعروس: هل تحبين يا لطيفة أن تكوني عجوزاً مثل عريسك، أو يكون هو شاباً مثلك؟ أجابت لطيفة: إن أريد أن يبقى كما هو بدون تغيير؛ لأنه كان وفياً مخلصاً لي عشرات من السنين، وأن أصير أنا امرأة عجوزاً؛ لأثبت له أني ما زلت أحبه كل الحب، وأخلص له كل الإخلاص وهو رجل هرم كبير السن. قدم نبيل المرآة السحرية للطيفة، ونظرت إليها، وتمنت أن تكون عجوزاً لتناسب عريسها الذي انتظرها تلك السنوات الطويلة، فتحققت رغبتها في الحال، وتحول وجهها الجميل إلى وجه فيه تجعدات كثيرة، وذهب اللون الوردي، وصارت ترى مثل سيدة كبيرة السن. فابتسم الراعي وقال: إن السن لا تهمني، ولا أفكر في السن. والمهم أن يكون القلب سليماً قويا، كقلوب الشباب. شكر الراعي وعروسه لنبيل معروفه وفضله، وودعهما نبيل وابنة العمدة، وتمنيا لهما حياة سعيدة، وتركا الراعي وعروسه وحصانها الأبيض، وجلس العروسان تحت الشجرة في الحقل، يبتسم كل منهما للآخر ابتسامة عذبة حلوة، كلها حب ووفاء وإخلاص.
بعد هذا ركب نبيل حصانه، وركبت ابنة العمدة حصانها، ورجعا معاً إلى الغابة، وذهبا إلى منتصفها، وفتح نبيل الصندوق المعدني، وأخرج منه المرآة السحرية، ورفعهما فوق رأسه، ورماهما بعيدا على الحجارة، فكسر الصندوق والمرآة. وفى المكان الذي كسرت فيه المرآة السحرية، ظهرت بحيرة فضية بين أشجار الغابة. وهي بحيرة عجيبة، إذا نظر فيها الشاب في منتصف الليل والقمر طالع رأى بعينيه وجه الفتاة التي سيتزوجها. وإذا نظرت فيها الفتاة رأت بعينيها وجه الفتى الذي سيتزوجها. ركب نبيل ابن العمدة، وأخذ معه أمينة بنت العمدة الشيخ مصطفى ليرجعها إلى والديها، ويدخل السرور عليهما، فهما في حزن منذ أن خطفت ليلة عيد ميلادها. وعرف أنها هي الفتاة التي أراد أبوه أن يخطبها لتكون عروساً وشريكة له في حياته. وأعجب كلاهما بالآخر، وتبادلا المحبة والإخلاص، واستقبلهما الشيخ مصطفى استقبالاً لا نظير له، وعم الفرح والسرور القرية كلها. وكان نبيل موضع الإعجاب والتقدير من الجميع؛ لأنه قام بما لم يقم به أحد، وأنقذ ابنة العمدة وهو لا يعرفها. وأرسل الشيخ مصطفى الرسل لدعوة أبي نبيل ووالدته وأقاربه، فحضروا مسرورين، وعقد عقد الزواج، وصارت ابنة العمدة عروساً لابن العمدة، وأقيمت الأفراح، وعم الفرح والسرور الجميع، وأطعم الفقراء والمساكين فرحاً بسلامتهما وزواجهما. وعاش الزوجان عيشة سعيدة راضية، ووفقهما الله في حياتهما كل التوفيق، وأخلص كل منهما للآخر إخلاصا لا نهاية له.

***النهاية***

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق