شعر وشعراء
يَا بَحرُ – شعر : عبد الحي اغباريه
يَمتَدُّ مِلْءَ النَّاظِرَينِ وَيَرحَبُ
وَيسِيحُ في الأُفقِ البَعيدِ وَيَغرُبُ
رَحَّالَةٌ جَعَلَ الرَّحِيلَ شَرِيعَةً
لا يَنثَنِي عَن سَيرِهِ لَا يَتعَبُ
طِفلٌ تُهَدهِدُ مَهدَهُ شُطآنُهُ
تَحنُو عَلَى أَعطَافِهِ وَتُطَبطِبُ
وَتَظَلُّ عَاصِرَةً لَهُ أَثدَاءَهَا
وَحَلِيبُهَا فِي جَوفِهِ يَتَصَبَّبُ
سِرُّ الحَيَاةِ يَغُوصُ فِي أَعمَاقِهِ
فِي كَشفِهِ يَعيَى الحَلِيمُ وَيَنصَبُ
بَدءُ الخَلِيقَةِ قَطرَةٌ مِن مَائِهِ
أَوَلَيسَ مِن مَاءِ الحَيَاةِ يُخَصَّبُ ؟
عَجَبًا لِأَمرِكَ يَا حَكِيمُ فَإنَّهُ
لَكَ فِي الغَريِبِ مَسَالِكٌ وَمَذَاهِبُ
جِيَفٌ عَلَى صَفَحَاتِ وَجهِكَ تَرتَقِي
وَالدُّرُّ فِي القَاعِ السَّحِيقِ يُغَيَّبُ
كَم كَاعِبٍ زُفَّتْ إلَيكَ وَناهِدٍ
وَبَقِيتَ في الشُّبَّانِ أَنتَ الأَعزَبُ
يَا بَحرُ مَا سِرُّ التَّنَاقُضِ هَكَذَا
طَورًا تَلِينُ وَتَارَةً لا تَرهَبُ
فِي اللهِ مَن يَأتِيكَ لَومَةَ لائِمٍ
فَإِذَا نَزِيلُكَ هَالِكٌ وَمُعَذَّبُ
يَا بَحرُ مَا بَالِي أَرَاكَ عَلَى المَدَى
تَقضِي مَسَاءَكَ فِي الهَوَى تَتَقَلَّبُ
يَغفُو الحَبِيبُ إِذَا خَلَا بِحَبِيبِهِ
وَتَظَّلُ وَحدَكَ سَاهِرًا تَتَرَقَّبُ
تَرعَى نُجُومًا إِحتَوَيتَ فَضَاءَهَا
فَكَأَنَّمَا أَنتَ الفَضَا وَالكَوكَبُ
يَا بَحرُ يَا غَضَبَ الطَّبِيعَةِ حِينَمَا
يَغلِي دَمٌ فِي رَأسِهَا وَتُعَصِّبُ
فَإِذَا دَعَتكَ لِنَجدَةٍ لَبَّيتَهَا
لَتَدُلَّ أَنَّكَ فَارِسٌ وَمُحَارِبُ
وَإِذَا خُيُولُكَ عِندَ سَاحِكَ أُسرِجَت
وَإِذَا جُنُودُكَ لِلقِتَالِ تَأَهَّبُوا
يَا بَحرُ يَا فَرَحَ الطَّبِيعَةِ عِندَمَا
فِي يَومِهَا لِعَرِيسِهَا تَتَخَضَّبُ
تَتَرَاقَصُ الأَموَاجُ حَولَ قَوَامِهَا
وَيَصِيحُ مَلَّاحٌ وَيَرقُصُ مَركَبُ
فإِذَا انتَشَيتَ عَلى طَرِيقَةِ سُكرِهَا
غَنَّيْتَ لِلعُشَّاقِ حَتَّى يَطرَبُوا