شعر وشعراء
قصة الفرزدق في مدح زين العابدين-
حجّ هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الإستلام( الوصول للحجر الأسود) من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجادة كأنّها ركبة عنز ، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس حتّى يستلمه هيبة له ، فقال شامي : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا أعرفه ، لئلّا يرغب فيه أهل الشام ، فقال الفرزدق وكان حاضراً : لكنّي أنا أعرفه ، فقال الشامي : من هو يا أبا فراس ؟ فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في الأغاني ، والحلية ، والحماسة ، والقصيدة بتمامها هذه :
يا سائلي أين حلّ الجود والكرم ؟……عندي بيان إذا طلابه قدموا
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته …….والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم ……هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي أحمد المختار والده ……صلّى عليه إلهي ما جرى القلم
لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه …….لخر يلثم منه ما وطى القدم
هذا علي رسول الله والده ……أمست بنور هداه تهتدي الاُمم
هذا الذي عمّه الطيّار جعفر …..والمقتول حمزة ليث حبه قسم
هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة ….وابن الوصيّ الذي في سيفه نقم
إذا رأته قريش قال قائلها …..إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ……ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
وليس قولك : من هذا ؟ بضائره …..العرب تعرف من أنكرت والعجم
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت ……عن نيلها عرب الإسلام والعجم
يغضي حياءاً ويغضى من مهابته ……فما يكلّم إلّا حين يبتسم
ينجاب نور الدجى عن نور غرّته ……كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
بكفّه خيزران ريحه عبق ……من كف أروع في عرنينه شمم
ما قال لا قط إلا في تشهده …….لولا التشهّد كانت لاؤه نعم
مشتقه من رسول الله نبعته ……طابت عناصره والخيم والشيم
حمال أثقال أقوام إذا فدحوا …….حلو الشمائل تحلو عنده نعم
إن قال قال بما يهوى جميعهم …….وإن تكلّم يوما زانه الكلم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ….. بجدّه أنبياء الله قد ختموا
الله فضله قدماً وشرفه …….جرى بذاك له في لوحه القلم
من جده دان فضل الأنبياء له …..وفضل اُمّته دانت لها الاُمم
عمّ البريّة بالإحسان وانقشعت………………..
فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها ؟ قال : هات جدّاً كجدّه وأباً كأبيه واُمّاً كاُمّه حتّى أقول فيكم مثلها ، فحبسوه بعسفان بين مكّة والمدينة ، فبلغ ذلك علي بن الحسين فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال : اعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به ، فردّها وقال : يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت إلّا غضباً لله ولرسوله ، وما كنت لارزأ عليه شيئاً ، فردّها إليه وقال : بحقّي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيّتك ، فقبلها ، فجعل الفرزدق يهجو هشاماً وهو في الحبس ، فكان ممّا هجاه به قوله :
أيحبسني بين المدينة والتي …..إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد ……وعينا له حولاء باد عيوبها.