نشاطات

تجربة الأسيرة المحررة وفاء سمير إبراهيم البس

هذه تجربتى الاعتقاليه كما رويتها لجريده القدس لمن احب ان يعرف عن تجربتى تجربة الأسيرة المحررة وفاء سمير إبراهيم البسربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏
الاسم: وفاء سمير إبراهيم البس
تاريخ الميلاد: 7/8/1984
البلدة الأصلية: حمامة
السكن الحالي: مخيم جباليا شمال غزة
التنظيم: حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح
تروي تجربتها الاعتقالية فتقول:
حب الوطن وفلسطين والدفاع عن المقدسات والرد على انتهاكات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، كل ذلك دفعني لأن أحب المقاومة وأشارك في النضال الوطني، ومن هذا المنطلق انضممت لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وجناحها العسكري كتائب شهداء الأقصى حيث تعلمت أكثر عن الوطن والكفاح.
وبتاريخ 20/6/2005 توجهت لتنفيذ عملية بطولية واستشهادية في ثكنة عسكرية في داخل فلسطين المحتلة عام 48 ، فارتديت حزاماً ناسفاً وتوجهت لمعبر بيت حانون ايرز، دخلت المعبر بالفعل، لكن لسوء الحظ تم اكتشاف الحزام من قبل ضباط وجنود الاحتلال وحاولت تفجيره لكن حدث خلل في كبسة التفجير.
وعلى الفور قام الجنود بسحبي جانباً ونزع الحزام مني ثم ألقوني على الأرض وكلبشوا يدي للخلف وتجمع عشرات الجنود حولي، كانوا يضربوني بقوة بأرجلهم ، داسوا على وجهي بالبستار، كانوا يوجهون لي كلاما بذيئاً، كلاماً غير أخلاقي و يمس ديننا الإسلامي ، وبعد لحظات قاموا بنزع حجابي واستمروا، صرخت في وجوههم رفضاً لذلك لكنهم استمروا بضربي.
وحقيقة فإن نزع الحجاب كان من ممارسات الاحتلال الخطيرة بحق الأسيرات الفلسطينيات، فهو أسلوب يسعى المحتل من ورائه إلى قهر الأسيرة وتحطيم نفسيتها، لقد صرخت في وجوهمم أثناء نزع حجابي وتصديت لهم لكن نزعوه بالقوة.
بعد لحظات قاموا بنقلي إلى غرفة بداخل معبر ايرز، وأغلقوا الباب، ثم جاءت مجموعة من المجندات الاسرائيليات مدججات بالعصي والأسلحة وأمروني بنزع ملابسي فرفضت ذلك ، فقامت المجندات بنزع جميع ملابسي بالقوة وهنا انتهاك جديد، كنت اصرخ وأحاول مقاومتهن لكن تقييد يدي كان يعوق ذلك.
التفتيش العاري
مارس الاحتلال والمجندات بحقي “التفتيش العاري” وهي وسيلة أيضا خطيرة يمارسها الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين بشكل عام لكن الخطورة والغصة الحقيقية أن يمارس هذا النوع من التفتيش بحق المرأة والأسيرة الفلسطينية، لقد عشت تجربة قاسية في التفتيش العاري الذي هو انتهاك لحق الإنسان في الحياة، هو تدمير للنفسية والتكوين الإنساني ، لذا فمن المفترض أن تعي مؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات القانونية الدولية مدى خطورة هذا الإجراء الإسرائيلي والعمل على وقفه في سجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية.
بعد التفتيش العاري تم إدخالي لسيارة عسكرية مقيدة اليدين والقدمين ومغمية العينين وتحركت السيارة، كنت لا أعلم أين الاتجاه، وأثناء وجودي في السيارة كنت أتعرض للضرب بواسطة بساتير الجنود وأعقاب البنادق، وعاد الجنود مرة أخرى للكلام البذيء وتوجيه الشتائم لي وللفلسطينيين والعرب والمسلمين.
أدخلوني في أحد الأماكن ووضعوني على الفور في غرفة صغيرة جداً عرفت فيما بعد بأنني في مركز تحقيق المسكوبية، بقيت عدة ساعات في الزنزانة لايحضر لي أحد، كانت زنزانة مرعبة مظلمة لا أعرف الليل من النهار، هناك رائحة سيئة ناجمة عن رطوبة الزنزانة.
جاء عدد من الجنود وسحبوني إلى غرفة أخرى وهناك كان مجموعة من الجنود الذين بدأوا التحقيق معي ،كنت مشبوحة على كرسي التحقيق ، تعرضت مرة أخرى للضرب والعنف الجسدي وكذلك العنف النفسي كنت أتصدى لهم كلما سنحت الفرصة لي، كانوا يهددوني بالموت.
استمر التحقيق معي مدة أسبوع كامل وخلال تلك الفترة طلبت احضار محامي كما طلبت أن يحضر أهلي أو يزوروني كنت اطلب أن أذهب إلى الحمام حتى استحم لكن جميع طلباتي قوبلت بالرفض.
بعد أسبوع المسكوبية تم نقلي إلى مركز تحقيق سجن الجلمة وهناك تعرضت لأساليب تحقيق وتعذيب متنوعة، كنت في زنزانة صغيرة هذه المرة ليست معتمة بل كان فيها ضوء أحمر ساطع مؤذي للعين، وأحياناً يطفؤون الضوء وتصبح الزنزانة مظلمة، كانوا يتركوني في الزنزانة عدة ساعات بدون سماع أي أحد وبدون طعام أو شراب، كانت الزنزانة بها حشرات، أنادي ولا أحد يسمع وأحياناً يحضرون الطعام تقريباً في آخر النهار، كان طعاماً سيئاً مثل حساء بارد وبعض الخبز الجاف.
وفي إطار التحقيقات أحضروا عندي أسيرة داخل الزنزانة لكن اكتشفت أنها مجندة إسرائيلية بالرغم من أنها تتحدث العربية ، كانت تريد أخذ معلومات مني، لكنها فشلت في ذلك ، وضعوني على جهاز فحص الكذب تقريبا 4 مرات ولم يحصلوا مني على معلومات.
أصعب شيء تعرضي للضرب في سجن الجلمة حيث في تلك الفترة قام المحققون بضربي على رأسي، وحقيقة لازالت أُعاني من تعرضي للضرب على الرأس حتى اللحظة حيث أنني اشعر في ألم كما أشعر أحياناً بحالة من النسيان وتشتت الانتباه.
بقيت في سجن الجلمة مدة أسبوعين وفي تلك الفترة قدموني للمحاكمة وصدر بحقي حكماً بالسجن لمدة 18 عاما ثم خفضوا الحكم إلى 12 عاماً بفعل تدخل المحامين.
سجن هشارون
بعد إصدار الحكم تم نقلي إلى سجن هشارون للنساء، وهناك تم استقبالي بشكل حافل من الأسيرات، حيث وجدت 29 أسيرة فلسطينية من مختلف التنظيمات، ولأول مرة منذ الاعتقال أشعر بالطمأنينة والراحة، شعرت بأنني بين أخواتي وأهلي الذين حرمني الاحتلال من زيارتهم أو التواصل معهم طيلة الفترة الماضية.
ويمكن الحديث عن تجربتي مع الأسيرات بشكل مميز، فالأسيرات كان لهن مجتمع خاص يتميز بالوحدة فلا فرق بين التنظيمات وكلهن وحدة واحدة كان هدفنا تحسين واقع السجن قدر الإمكان ومواجهة إدارة السجن والضغط عليها حتى تحقق مطالبنا كما كان هدفنا الأساسي فلسطين والوطن وأن نكون ضمن النضال والكفاح الفلسطيني.
حوّلنا السجن لأكاديمية حقيقية من خلال الاطلاع والقراءة ، عشنا كما هي الحياة الأكاديمية والبحث العلمي، فمن نشاطاتنا الجماعية أننا نعقد جلسات أسبوعية وفيها يُطلب من الأسيرات تحضير موضوعات عن قضايا معينة من خلال الاستعانة بمكتبة السجن، كما نعقد جلسات سياسية لمناقشة الواقع والقضية الفلسطينية، كنا نقرأ القرآن ونحفظه ونؤدي الصلوات، كنا نحتفل بقدوم شهر رمضان والأعياد، وكذلك نمارس الرياضة والرسم والنحت والتطريز والفطور الجماعي.
كنا نتعلم كل شيء فالأسيرة التي لديها علم معين كانت تخبرنا به، تلقينا دروس في السياسة والثقافة والأدب واللغة والفن ، ومن الطرائف النادرة أن إحدى الأسيرات قامت بتعليمنا إشارات المرور وفن قيادة السيارة بالرغم من أننا داخل السجن.
ومن التجارب أننا قمنا بخطوات احتجاجية للمطالبة بتحسين واقع وظروف الاعتقال ومنها إرجاع وجبات طعام والإضراب عن الطعام أكثر من مرة، وفي سجن هشارون كنا نتعرض للقمع ورش الغاز المسيل للدموع، كما أنه أحياناً يحضر جنود الاحتلال إلى ساحة السجن لإجراء مناورات عسكرية خاصة باقتحام وقمع السجون، وكانوا يطلقون الغاز أيضاً، وحقيقة تكرار إطلاق الغاز أصاب الأسيرات بضيق تنفس وأنا واحدة من الأسيرات التي لازلت أُعاني حتى هذه اللحظة من آثار الغاز حيث أُصبت بالربو والسعال المتكرر وضيق التنفس، كنت عندما اطلب العلاج كانوا يحولوني إلى عيادة السجن وهناك علاج واحد ووحيد وهو الاكامول!
أتذكر في إحدى المرات أن هناك أسيرة تعرضت للقمع فتصديت للمجندات، وعندها تم استدعاء الجنود لقمعنا وإغلاق غرف الأقسام علينا.
الحصول على التوجيهي
في سجن هشارون كنت أُمارس الرياضة يومياً، عملت في مجال التطريز حيث أنجزت تطريز عدة أشياء منها خريطة فلسطين وعليها مدن وقرى فلسطينية ، كنت أُحب المشغولات اليدوية و استثمر أي شيء يقع في يدي لأصنع شيء جديد مثل المجسمات.
قرأت كتباً كثيرة في السياسة والاجتماع والأدب، وهذه القراءة أفادتني كثيراً، فقد أصبحت عندي ملكة الكتابة والتدوين و كتبت خواطر إنسانية عن الأهل أمي وأبي وأشقائي ، وعن الاعتقال ومعاناة الأسر، وكتبت رواية لم تكتمل حول معاناتي الشخصية كأسيرة فلسطينية، أكثر شيء كان يهدد العمل الكتابي في السجن هو إدارة السجن التي تقوم بحملات تفتيش مفاجئة وتصادر الكثير من الأوراق والتدوينات.
خلال وجودي في سجن هشارون طلبت الحصول على الثانوية العامة وبالفعل تم السماح لي بالدراسة خلال العام 2008، واجتهدت وتقدمت للامتحان داخل السجن حيث كان يُتاح ذلك في غرفة خاصة ، وبالفعل حققت النجاح ، كان طموحي الانتساب للجامعة لكن منعني الاحتلال من ذلك.
تعلمت اللغة العبرية وذلك بمساعدة الأسيرة الفلسطينية لينا الجربوني ومن خلال المتابعة الذاتية أصبحت أتقن العبرية، حيث استفدت من هذه اللغة لمعرفة حديث المجندات الإسرائيليات أو سماع المذياع ونشرات الأخبار.
خلال وجودي في سجن هشارون أيضاً كانت لي قصة في الفن والرسم واستفزاز الاحتلال، حيث إنه في يوم من الأيام رسمت على جدران غرفة السجن صورة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وهو يبكي ويقبل أقدام المقاومة الفلسطينية ، وخلال مرور إحدى السجانات شاهدت الصورة وقالت لي ما هذه؟ قلت جلعاد شاليط، فاستشاطت غضباً وذهبت، ثم بعد عدة ساعات جاء قرار بنقلي من سجن هشارون، وعزلي إلى سجن الرملة تحت الأرض ، رفضت القرار لكن جاء الجنود والمجندات وسحبوني بالقوة وبالفعل تم نقلي إلى عزل الرملة وذلك بعد 3سنوات من وجودي في سجن هشارون، لقد حزنت كثيراً لهذا النقل خاصة وأنني أُفارق أخواتي الأسيرات.
عزلي في سجن الرملة
سجن الرملة سجن قاس تحت الأرض حيث نقلت إلى زنزانة رقم 9 بشكل انفرادي زنزانة معتمة باردة جداً لا يوجد حمام كانت المجندات أحياناً يقمن بتقييد يدي وأقدامي داخل الزنزانة عدة ساعات.
عشت الوحدة الحقيقية في هذه الزنزانة اللعينة ، كان بجواري قسم خاص للجنائيات الإسرائيليات كانن يصرخن في الليل ويتحدثن كلاماً بذيئاً، كانن يعرفن أنني بجوارهن لذلك يشتمن بالفلسطينيين والعرب، الزنزانة كانت رطبة للغاية، كانت المجندات يحاولن إذلالي ، لدرجة أنه عندما يعرفن أنني سوف اذهب للحمام كانن يفتحن خطوط الماء الباردة.
وفي يوم من الأيام وأثناء وجودي في الزنزانة جاءت مجندة إسرائيلية ومعها بعض الخبز كما كان معها ماء ساخن خاص بعمل الشاي ، وضعتْ الطعام عندي وذهبت، طلبت منها أن تضع ماء ساخناً لكي اعمل شاي، كنت أتحدث معها بشكل طبيعي، لكنني تفاجأت وإذ بهذه المجندة بدلا من أن تصب الماء الساخن في كوب الشاي فإنها قامت بمسك وعاء الماء الساخن ورشه على جسدي، كان ماء ساخناً للغاية لقد أُصبت بحروق قاسية حتى اليوم أعاني منها، لقد طالبت سابقاً وأجدد المطالبة بأن يتم رفع قضية على هذه السجانة الإسرائيلية رداً على جريمتها بحقي وتقديمها للمحاكمة وللعلم فإن هذه المجندة التي تعمل في عزل الرملة تدعى “نتلي”.
استمر عزلي في سجن الرملة زنزانة رقم 9 للعام الثاني على التوالي وزادت معاناتي بعد تعرضي للحرق وخلال هذه الفترة كنت أُواجه المحتل وارفض هذا العزل وفي النهاية قررت بشكل قاطع الإضراب عن الطعام إما الشهادة أو النصر وعلى الأقل إنهاء العزل، قررت مجابة المجندات بكل ما أوتيت من قوة، وبالفعل بدأت خطواتي وازداد وضعي الصحي سوءاً.
في تلك الفترة قامت بزيارتي المحامية تغريد جهشان، ثم قالت في تقرير لها أن الأسيرة وفاء البس تعيش في ظروف صعبه وعلى إثر ذلك صار هناك صدى لقضيتي حتى الصليب الأحمر بدأ يتحرك في هذا الاتجاه.
وبعد عدة أيام عُرضت على المحكمة وهناك قرر القاضي بانتهاء عزلي ونقلي لقسم الأسيرات في سجن الدامون حيث بقيت هناك حتى تم الإفراج عني في صفقة وفاء الأحرار عام 2011 وبذلك أكون قد أمضيت في السجون مدة 8 سنوات ونصف.
العمل التنظيمي داخل السجن
بخصوص العمل في حركة فتح داخل السجن فقد كان لي التجربة بالعمل كموجه عام لفتح في السجون التي تنقلت بها، كانت حركة فتح ركيزة أساسية ومؤثرة في السجون سواء في سجون الأسرى أو الأسيرات، كنا نعمل بشكل أساسي في تقوية فتح وأسيراتها عبر التثيقف والتوعية كما كان من أولوياتنا الوحدة مع باقي الفصائل وأن نكون جسم واحد ، وحقيقة كانت الوحدة مجسدة في السجون لدرجة أن وثيقة الوفاق كانت من السجون.
التحرر
كان التحرر يراودنا وازداد الأمل عندما قامت المقاومة الفلسطينية بأسر جلعاد شاليط وبقينا على الأمل إلى أن تحقق حيث شملتنا الصفقة لكن رغم ذلك أصابتنا الحسرة لأن هناك أسرى وأسيرات لم يفرج عنهم.
تم نقلنا إلى السبع ومن هناك إلى معبر رفح، حيث كنت أنا الأسيرة الوحيدة من قطاع غزة التي تخرج ضمن الصفقة الفعلية لأن باقي الأسيرات السابقات كان قد أُفرج عنهن بصفقة الشريط شريط فيديو جلعاد شاليط.
من الأمور القاسية خلال فترة اعتقالي التي استمرت 8 سنوات أنني مُنعت من الزيارة حيث منعوا أهلي والدي أو والدتي وأخواتي من زيارتي وهذا يعد انتهاك صارخ لكل مواثيق العالم، حتى الاتصال التلفوني فقد منعوني من التواصل سوى مرة واحدة حيث تحدثت عبر الهاتف مع والدي ووالدتي لمدة 10 دقائق فقط ثم نزعوا الجوال مني وانهوا المكالمة قسراً.
بعد الاعتقال تزوجت وأنجبت طفلين هما حسن وبراء كما أكملت دراستي حيث حصلت على دبلوم في الصحافة من جامعة الأزهر، كان حلمي دراسة علم النفس لكن بعد الاعتقال رغبت الصحافة لكي أفضح جرائم وانتهاكات الاحتلال لذلك درست علم الصحافة، حالياً ربة بيت وناشطة ومهتمة في مجال الأسرى ونصرتهم.
لازلت حتى الآن أُعاني من الإصابات والحروق التي تعرضت لها داخل سجن الرملة لذل أُطالب الرئيس محمود عباس بالتدخل من أجل علاجي بالخارج من هذه الحروق.
في النهاية أقول إن السجن تجربة مريرة لكنه إرادة وعزيمة ، أوجه تحية لكل الأسرى والأسيرات وادعوا الله أن يمن عليهم بالتحرر.داخل الاسر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق