الرئيسيةثقافه وفكر حر

حكايا من القرايا/ عمر عبد الرحمن نمر

أول ما استعملت لفظة ” تطبيع ” كانت للحيوان، ثم انزاحت معنوياً لتشمل إضافة للحيوان الإنسان… والعلاقات…
فالتطبيع كان للحمير – أجلكم الله – وللخيول، والبقر، وهو بمثابة مشاركة الحيوان في دورة عملية، تحوله من حال إلى آخر…
فكانت صغار الحمير (القِرار، مفردها قُرْ)، إذا أريد لأحدها الدخول إلى حياة الحمير العامة، عندها لا بد له من حضور الدورة، ولك أن تتخيل هذا القُر الذي يعتبر نفسه حراً طليقاً، كيف سيتيح لشخص أن يمتطي ظهره، مرة، ومرتين، ومرات حتى يتعود على الركوب، كما يتعود على لبس الحلس أو االمطقعة، أو البردعة… ولا بد للمطبع من امتلاك مهارات التطبيع، كخفّة الحركة، والمرونة، وحسن التقدير… فقد تراه وقد امتطى ظهر قرّه، وقد نفضه القُر، برفع يديه عالياً، والبدء في المرافسة، والقفز، والمطبّع يتعالى في الفراغ الفضائي، وينزل على ظهر القر، وقد يوقعه القر أرضاً، وقد يدعس عليه. عندما أراد أحد الجلّابين شراء حمارة صغيرة، وأراد أن يجربها، نصحه الحاضرون، بعدم ركوبها، وإعطائها إلى أحد الشباب لتجربتها، فقال قولته الشهيرة: ” وَلْ هي باقية فرس الزير سالم؟” وقرّبها من سلسلة حجرية، صعد السلسلة وقفز على ظهرها، وبدأت بمظاهرة من المشاكلة والرفس، أول رفسة تماسك الجلاب والثانية، وفي الثالثة كانت تحت الحمارة، التي رفشت في بطنه، وحملوه مغمياً عليه إلى أقرب سيارة تيسّرت وإلى المشفى… وياما أوقعتنا القِرار اللعينة على الحجارة ونحن نطبّعها، فانخرقت بلاطيننا، وأدميت ركبنا، وربما انكسرت أيادينا وأرجلنا… فصيد العذاره بدّو شطاره…
والأخطر من تطبيع الحمير، تطبيع الخيول الصغيرة، وهي الأعلى جسماً، والأسرع مشياً، والأكثر عزّاً وشموخاً من سلالة الحمير. أما تحويل العجلة الصغيرة إلى بقرة عمّالة، أو العجل الصغير إلى عالول… يحرث الأرض، بالاشتراك مع بقرة أخرى أو حمارة… فكنا نراهم يربطون العجل أو العجلة بجزمة صبر كبيرة (شجيرة صبر) أو أي شيء ثقيل آخر، ويجرّه العجل المنوي تطبيعه، ويتجول به في أراضي البلدة كلها وفي شوارعها، وهذه العملية بمثابة دروس عملية تطبيقية للتدرب على الحراثة… إنه التطبيع… التليين، عملية التحويل الكبيرة، بهذه العملية يتحول الصغير من الحيوان إلى كبير، ويتدرب على العمل، ويدخل عالمه الخاص به من أوسع أبوابه…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق