الرئيسيةمقالات

البحث عن الذات !!! أ.د. أسعد أحمد مطر

 

إذن، توحّد النوع البشري ضد عدوّ واحد، وصارت الأزمات العالمية المعتادة هامشاً، ولم تعد الصحف وقنوات الأخبار على اختلاف أجناسها وجنسياتها ولغاتها وأديانها وأعرافها وأطيافها تتحدّث سوى عن فيروس الكورونا “COVID- 19″، ومنذ بداية الأزمة، انشغل الكثيرون على مصدره، وانتشرت الفرضيات بين أن يكون مصنّعاً مخبرياً لأغراض سياسية، أو هو خطّة ماسونية غير مكشوفة النوايا، وجنح الرأي عند البعض إلى أنه حرب القوي ضد الضعيف في السيطرة والمحافظة على ثروات الأرض ومواردها بأن يموت الضعفاء فيقل الطلب على هذه الموارد وتفيض عند الأقوياء لمدى أبعد، ورأى رجال الدين بأنّه حرب من الله وعقاب للبشرية على خطاياها، ورجّح غيرهم بأنّه فيروس منشأُه الطبيعة، وأيّاً كانت الآراءُ والحقائق، فإن النتيجة واضحة لا خلاف عليها، استطاع فيروس الكورونا أن يصبحَ جائحة تحتلُ العالم، وتشل حياته وتصرفاته وحركاته وتنقلاته واقتصاده وسياساته وجامعاته ومؤسساته وحياته المدنية بكل أشكالها، وصار الشغل الشاغل لأذهان البشر كلّهم باختلاف أماكن تواجدهم في العالم، ولأنَ الكارثة عندما تحل، يجب إعادة النظر في كل الجوانب المحيطة بأسبابها، لفهمها وتفادي مثلها، كان لا بد من إيضاء عدد من النقاط التي أقولها وأنا على يقين بأنها راودتنا جميعاً.

أولاً، العالم الذي كان منشغلاً قبل الكورونا بالحروب، هو نفسه العالم الذي اتحد لمواجهة الفيروس، وهو ما يعني أنّ البشرية يمكنها أن تتحد على الحب والسلام، وأن تُلغى الحدود وتدمّر السجون وأن يعيش البشر كنوع واحد وكتلة واحدة على الأرض، وأن تكون الأرضُ وطناً واحداً للجميع، وأن يحملَ الجميعُ قيم الإنسانية والعطاء والأمان والسلام، لو زرعت فيهم هذه المثل العليا منذ البداية، ولو هم أرادوا ذلك.
ثانياً، ما يصرفُه العالم على الأسلحة والحروب الباردة والساخنة والقتل والدمار وإعمار الدمار أضعاف ما يصرفه على العلوم والصحة والتعليم، ولو استثمرت هذه الأموال في الطب والعلوم المختلفة، وأُعطي المنشغلون في ذلك حقوقهم كاملة، لوصل الإنسان أبعد ما هو عليه الآن في كل تلك العلوم، ولكانت مسألةُ الفيروس منتهية قبل بدايتها، لكن كِبر الدول العظمى وجشعها في السيطرة والتمدد والتطور في مجال صناعة الأسلحة هو ما أوجد مثل هذه الفجوة الكبيرة في السيطرة على هذا المرض وغيره من الأمراض التي لا علاج نهائي لها حتى الآن.
ثالثاً، لم يفرق الفيروس بين البشر على اختلاف أديانهم وطوائفهم وجنسياتهم ولغاتهم وأفكارهم وجغرافيتهم، وهو ما يمكن فهمه كوجه آخر للوحدة البشرية، فلكل دينه، والإنسانية للجميع.
رابعاً، تمثّلت غريزةُ البقاء في نفاد المواد التموينية من أماكن بيعها في البلدان على اختلاف تصنيفها كدول عالم أول أو دون ذلك، وهو ما يعني، إن سعيَ الإنسان للبقاء لا يختلف بين دول العالم، وعندما وُضع الناس في دول العالم الأوّل على المحك أمام مواجهة حقيقية تهدد أمنهم الغذائي، سعوا لتأمين طعامهم كما يسعى مواطنو دول العالم المتأخر كل يوم لذلك، والمقصدُ هنا لو توفرت في الأصل حقوق الناس في الدول العظمى لأولئك المضطهدين في الدول الفقيرة، لما صُنّف الإنسان إلى طبقاتٍ ما بين المتقدمة والمتخلفة، ولصار النوع البشري كُلّه يعمل ضمن منظومة واحدة تخدم تطلعاته المستقبلية وتحفظُ للأرض نفسها البقاء.
والسؤال هُنا، هل سيعيدُ الإنسان التفكير ما بعد الكورونا بقناعاته وممارساته وأخلاقياته؟ وهل ستُحدث الكورونا تغييراً في الوعي العالمي باتجاه التفكير أكثر بتفادي الحروب والدمار والدعم باتجاه تطوير العلوم والتعليم والصحة والبيئة وزرع قيم السلام والمحبة الشاملة، وإذابة النعرات الدينية والقومية والطائفية والسياسية؟ هل سيفكر الإنسان أكثر في النوع البشري تفكيراً عادلاً بلا إقصاء أو تهميش للدول الفقيرة؟
لم يستطع التقدم العلمي المدهش السيطرةَ على الكورونا حتى الآن، ولم تفد أسلحة الدمار الشامل في الحد من انتشاره، وتعطلت مظاهر الحياةُ والملاحاتُ ومصالح الناس وأُقفلت دور العبادة، وهو ما ليكن يتوقعه أكثر المتشائمين بمصير هذا العالم!
إذن، هي فرصة جديدة في الصحوة، والبحث عن الذات، وإعادة التفكير في كل ما كان، وربما نظرياً يبدو على الورق الكلامُ أسهل من تطبيقه في وجود مخططات وآمال للدول العظمى في السعي وراء السيطرة والتمدد غير آبهة بالنوع البشري ومستقبله، لكنها تبقى فرصة جيدة للتأمّل.
وهنا لا بد من قولِ شكراً لأطباء العالم لما يبذلوه في هذه الفترة الحرجة في مواجهة هذا الفيروس اللعين، وعلى الجميع أن يأخذ الموضوع بجدية، وألا يتهاون بالانضباط باجراءات الوقاية الاحترازية، وهي باذن الله موجةٌ عاتية وستمضي.
سلّم اللهُ الجميع، وغيّر حالنا للأحسن.
و يستمر البحث عن الذات
أ.د. أسعد أحمد مطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق