شعر وشعراء

قصيدَةُ “يا جارَةَ الْوادِي” لِشَوْقي

قراءة أ.د.لطفي منصور

نَظَمَ أَحْمَد شَوْقي هذه القصيدَةَ، التي تَضُمُّ واحِدًا وخَمْسينَ بَيْتًا، لِيُلْقِيَها في حَفْلِ اسْتِقْبالِ وتكريمِِ الشّاعِرِ في مَدينَةِ زَحْلَةَ اللُّبْنانِيَّة. وكان قبلَها قَدْ زارَ قَرْيَةَ “جارَةَ الْوادي” الواقعةَ على السّاحلِ السُّوري فَوَصَفَها بِأبياتٍ في القصيدَةِ التي كانَ يَنوي إلقاءها في حَفْلِ التَّكريم.
كانَ الموسيقارُ الكبيرُ محمّد عبد الوهّابِ بِصُحْبَةِ أميرِ الشُّعراءِ، فَلَمّا قَرَأ القَصيدَةَ قال: أَيُّها الأميرُ!
هذهِ القصيدَةُ لِلْغِناءِ وليسَتْ لِلْإلْقاءِ. فَأَخَذَها عبدُ الوهّاب وانتقَى منها ثَمانِيَةَ أبياتٍ لَحَّنَها وغَنّاها سَنَةَ ١٩٢٨م. وَبَلَغَتْ شُهْرَةً كَبيرَةً في سائِرِ أنْجاءِ الْوَطَنِ العَرَبِيِّ.
وَفي سَنَة ١٩٦٩م غَنَّتْ نورُ الهُدَى في التلفزيونِ اللُّبنانِي الأبياتَ باللَّحْنِ نَفْسِهِ مُطَوَّلًا معَ زيادَةِ بَعْضِ المقاطِعِ الخارَجَةِ عَنِ الشِّعْرِ، وزادَتْ الأُغْنِيَةُ شُهْرَةً بَيْنَ العَرَبِ.
ثُمَّ قامَ الأخَوانِ رَحباني بتوزيعٍ جَديدٍ مُحافِظَيْنِ على الأصْلِ الذي وضَعَهُ عَبدُ الوهَّاب، وغَنَّتْهُ فَيْروز غِناءً ملائِكِيًّا يَأْخُذُ بِالألبابِ وهو المشهورُ المنتَشِرُ اليَوْمَ في أوساطِ الطَّرَبِ.
مَطْلَعُ قَصيدَةِ “يا جارَةَ الوادي” لأحمد شوقي، وهناكَ مَنْ يَظُنُّ خَطَأً أنَّ عبدَ الوهاب يَصِفُ امرأَةً لا قَرْيَةً. بَحْرُ الكامل:
شَيَّعْتُ أَحْلامي بِقَلْبٍ باكِ
وَلَمَحْتُ مِنْ طُرُقِ الْمِلاحِ شِباكِي
وَرَجَعْتُ أَدْراجَ الشَّبابِ وَوِرْدِهِ
أَمْشِي مَكانَهُما عَلَى الأَشْواكِ
————
الأبياتُ التي يُغَنَّى بِها:
– يا جارَةَ الْوادِي طَرِبْتُ وَعادَنِي
ما يُشْبِهُ الأَحْلامَ مِنْ ذِكْراكِ
(عادَني: زارَنِي)
– مَثَّلْتُ في الذِّكْرَى هَواكِ وَفي الْكَرَى
وَالذِّكْرَياتُ صَدَى السِّنينِ الْحاكِي
(الكرى: النَّوْم، ظهرَ هوَى البلدَةِ في تَذَكُّرِهِ ونومِهِ، الحاكي: المُحَدِّثُ، وهو نعتٌ للصَّدَى)
– وَلَقَدْ مَرَرْتُ عَلَى الرِّياضِ بِرَبْوَةٍ
غَنّاءَ كُنْتُ حِيالَها أَلْقاكِ
(غَنّاء: جميلة بالورود؛ الرَّبْوَة: المكان المرتفع؛ حِيالَها: إزاءَها وقربَها)
– لَمْ أَدْرِ ما طِيبُ الْعِناقِ عَلَى الْهَوَى
حَتَّى تَرَفَّقَ ساعِدِي فَطَواكِ
(شبهُ الجملةِ “عَلَى الهوَى” حاليَّة)
– وَتَأَوَّدَتْ أعْطافُ بانِكِ في يَدِي
وَاحْمَرَّ مِنْ خَفَرَيْهِما خَدّاكِ
(تَأَوَّدَ: مالَ، البان: شجر مستقيم السّاق يُشَبَّهُ بِهِ القَوام، الْخَفَرُ: الحياءُ)
– وَدَخَلْتُ لَيْلَيْنِ فَرْعِكِ والدُّجَى
وَلَثَمْتُ كَالصُّبْحِ الْمُنَوَّرِ فاكِ
(الفَرْعُ: الشَّعْرُ)
– وَتَعَطَّلَتْ لُغَةُ الْكَلامِ وَخاطَبَتْ
عَيْنَيَّ في لُغَةِ الْهَوَى عَيْناكِ
(عينَيَّ: مفعول بِهِ منصوب بالياءِ مُقدَّم)
– لا أَمْسِ مِنْ عُمْرِ الزَّمانِ وَلا غَدٌ
جُمِعَ الزَّمانُ فَكانَ يَوْمَ رِضاكِ
———
رائِعٌ هو الشِّعْرُ العربي،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق