منوعات

تجربة الشابة “يسرى بدوان” في رئاسة بلدية فلسطينية تنتهي بانقلاب ذكوري

رشا أبو جلال- مجلة ميم

في مشهد سريالي صادم، انتهت تجربة الشابة يسرى بدوان (26 عاماً) التي تعتبر أصغر رئيس بلدية فلسطيني، في رئاسة بلدية عزون شرق قلقيلية شمال الضفة الغربية بالانقلاب عليها وحجب الثقة عنها من قبل ثلثي أعضاء المجلس البلدي، لتنتهي تجربة فريدة تمردت على تحكم الذكورية والعشائرية في المجتمع الفلسطيني.

وبدوان فتاة عزباء، تحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائيّة من جامعة فلسطين التقنيّة (خضوري) في قلقيليّة منذ عام 2012، وعملت كمهندسة مقاولة في مدينة أريحا – شرق الضفّة الغربيّة. كما عملت كمهندسة إشراف في منظّمة التعاون السكنيّ الدوليّة (CHF)، فيما نشطت في بلدتها بالأعمال التطوعيّة الإجتماعيّة، الأمر الذي جعلها وجهاً معروفاً في أوساط الأهالي الذين منحوها ثقتهم.

 

يسرى بدوان

 

تم انتخاب بدوان كرئيس لبلدية عزون التي تبلغ مساحتها 24 كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكّانها 12 ألف نسمة، وفق نتائج الانتخابات المحلية التي عقدت في الضفة الغربية في مايو الماضي، وشكلت بنجاحها في هذه الانتخابات تجربةً فريدة ألهمت الجيل الفلسطيني الشاب الذي يطمح بخلق موضع قدم في المراكز القيادية الفلسطينية التي لطالما اعتبرت حكراً على كبار السن، كما شكلت بدوان أيضاً نموذجاً فريداً بالنسبة إلى النساء الفلسطينيات، لتوليها منصب رئيس بلدية فلسطينية.

 

 

بعد قضاء نحو ستة أشهر على الفترة القانونية لولاية عزون في منصبها البالغة أربعة سنوات، وتحديداً في الخامس من ديسمبر 2017، أقدم ثلثا أعضاء المجلس البلدي في بلدة عزون البالغ عددهم 11 عضواً، وبشكل مفاجئ على حجب الثقة عن الشابة بدوان، فيما عقد المجلس اجتماعاً آخر في 12 ديسمبر المنقضي في مقر البلدية، لانتخاب رئيس جديد للبلدية.

 

طعنة في الظهر

تقول “يسرى بدوان” لمجلة “ميم” عن تجربتها: “لقد تعرضت لطعنة في الظهر. ما جرى هو محاولة انقلاب تم الاستيلاء خلالها على منصبي الذي حصلت عليه بناءً على انتخابات ديمقراطية، ليس لسبب سوى أنني أنثى في مقتبل العمر”، وأضافت: “لم أفكر مرتين بالترشح لخوض الإنتخابات المحليّة لبلدية عزون، بهدف إشراك المرأة والشباب بمراكز اتخاذ القرار القيادية، ولرغبتي بإحداث تغيير إيجابي لصالح بلدتي، ولكن منذ اليوم الأول من ترؤسي البلدية، كانت توضع العراقيل لمنعي من تحقيق أي إنجازات، كما أن العديد من أعضاء المجلس البلدي لم يستسغ أن ترأسه امرأة شابة”.

ولفتت بدوان النظر إلى أنها واجهت نظرة سلبية مجتمعية لتوليها هذا المنصب الرفيع على مستوى بلدتها، مشيرةً إلى أنه لطالما تواردت إلى مسامعها تعليقات ذكورية سلبية ترفض استمرارها في منصبها، إلا أنها قالت: “كل ذلك لم يثبط من همتي وعزيمتي لإثبات خطأ النظرة المجتمعية حيال المرأة التي ترى أن دور المرأة ينحصر داخل منزلها، واستطعت صنع العديد من الانجازات لصالح بلدتي”.

 

 

ورغم العقبات والعراقيل أمامها، إلا أن بدوان استطاعت تحقيق العديد من الانجازات والخدمات لبلدتها مقارنة بالفترة القصيرة التي قضتها في هذا المنصب، ومن بين هذه الانجازات: الحصول على منحة مالية لتوسيع العيادة الصحية للبلدة وإنشاء طابق ثان لها، وزيادة أعداد الغرف الصفية لمدرسة فاطمة غزال الأساسية في بلدتها، وتوظيف العديد من عمال النظافة والقيام بحملة نظافة واسعة استهدفت البلدة بأكملها في الوقت الذي كانت تشكل فيه هذه المشكلة أزمة كبيرة للبلدة.

وأرجعت حجب الثقة عنها من قبل ثلثي أعضاء المجلس البلدي، إلى سيادة مظاهر العشائرية والذكورية في المجتمع الفلسطيني، وقالت: “ثمة عائلات كبيرة في عزون لم ترغب في بقاء فتاة من عائلة صغيرة في رئاسة البلدية، لذلك ما حدث يمكن اعتباره مؤامرة قررت تجاوزها للحفاظ على السلم الأهلي في بلدتي”.

وبيّنت أنها تعرضت إلى حملة تشهير واتهامات كاذبة لها بالاختلاس تارةً وعدم الكفاءة تارةً أخرى، بهدف تشويه سمعتها.

مجتمع تحكمه العشائرية

حاولت مجلة “ميم” الحديث مع رياض حنون وهو نائب رئيس بلدية عزون وأحد الأعضاء الموافقين على قرار حجب الثقة عن بدوان، إلا أنه رفض التعقيب على الأمر.

وقال أحد أعضاء المجلس البلدي لعزون لـ”ميم”، شريطة عدم ذكر اسمه، إنّ الإطاحة ببدوان كانت نتيجة صراع عائلي على منصب رئيس بلديّة “عزون” التي تسودها المظاهر العشائريّة.

وقال العضو، وهو أحد الأعضاء الذين رفضوا حجب الثقة عن بدوان: “رفضت عائلات كبيرة استمرار بدوان في منصب رئاسة البلديّة لكونها امرأة، إضافة إلى انتسابها إلى عائلة صغيرة، فبدأت هذه العائلات ممارسة ضغوط تقوم على تبادل المصالح، على أعضاء المجلس البلدي من أجل العمل على عزل بدوان عن منصبها”.

وفند عضو المجلس البلدي الاتهامات التي ألصقت ببدوان مثل الاختلاس وعدم الكفاءة، وقال: “هذه الاتهامات كانت من دون وجود أيّ دلائل أو شواهد، وتأتي في سياق حملة التحريض عليها”.

 

سخط شعبي

وشهد موقع فيسبوك استهجاناً في أوساط أهالي البلدة على حجب الثقة عن الفتاة بدوان، إذ كتب الشاب محمد مصطفى تعليقاً على منشور نشرته صفحة بلدة عزون الرسمية في موقع فيسبوك في 12 ديسمبر الحالي حول انتخاب رئيس جديد للبلدية، واصفاً الحدث بأنه “فشل مجتمعي”، واعتبره وجها من أوجه طغيان العائلية والقبلية على الأداء والفعالية.

فيما كتب الشاب “معاذ وارني” معلقاً على المنشور ذاته: “بأي حق يتم حجب الثقة عن رئيسة البلدية وهي ومن خلال متابعتي كانت تقوم بواجبها على أكمل وجه وشفافية، أو أنكم غير متقبلين أن تكون رئيس البلدية ست (امرأة). لماذا لا نمنح مجالاً للمرأة أن يكون لها دور في المجتمع”.

إنقلاب غير قانوني

باسم حدايدة

قال الخبير القانوني في شؤون الانتخابات الفلسطينية، باسم حدايدة، لمجلة “ميم”: “إنّ حجب الثقة عن بدوان تم بشكل غير قانوني، إذ أن عقد جلسة حجب الثقة يتطلّب دعوة من رئيس البلدية وفق قانون الهيئات المحلية الفلسطينية (البلديات) الصادر عام 1997، وهذا ما لم يحدث”.

 

آمال صيام

أما رئيسة مركز شؤون المرأة آمال صيام، فأشارت إلى أن إفشال تجربة بدوان في رئاسة بلدية عزون، يعد دليلاً على ما تواجهه المرأة الفلسطينية من صعوبات خلال محاولتها البروز وتولي أدوار قيادية في المجتمع الفلسطيني، مضيفة: “عادةً ما تواجه المرأة في المجتمعات النامية صعوبة في إثبات ذاتها، إذ أن بدوان لم تنل فرصتها في القيام بدورها، حيث تم عزلها بعد ستة أشهر فقط من فترة ولايتها القانونية المقررة أربع سنوات”.

 

بالنسبة إلى يسرى بدوان، فتقول إنها حاولت حماية خيار أهالي عزون بانتخابها كرئيس للبلدية، من خلال مطالبة وزارة الحكم المحلي الفلسطينية بتولي دورها كجهة مشرفة على المجالس المحلية الفلسطينية، إلا أن جهودها فشلت تماماً أمام عدم قدرة الوزارة على حماية الديمقراطية، والتصدي لإرادة العائلات الكبيرة في عزون بعزلها.

وعلى الرغم من هذه التجربة المريرة، إلا أن بدوان تقول إنها لم تتسبب بكسرها وتحطيمها، إذ عادت لممارسة عملها السابق كمهندسة مقاولات في مدينة أريحا، بالإضافة إلى استمرارها في أنشطتها التطوعية المجتمعية لصالح بلدتها.

وتشكّل هذه التجربة قصّة حيّة تعكس محاربة تجارب الشباب والنساء في تولي مناصب قيادية للاستنهاض بالمجتمع الفلسطيني، الذي تحكمه الشيوخ والعشائريّة والذكوريّة إلى حد كبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق