الرئيسيةمقالاتمنظمة همسة سماء
قراءة نقدية لقصيدة تَتصَنّعِينَ الحُبَّ شعر أ. د عبد الله السلمي
قراءة تحليلية للدكتورة فاطمة ابوواصل اغبارية

تحليل نقدي شامل لقصيدة د. عبد الله السلّمي
المقدمة
تتناول هذه الدراسة تحليل قصيدة للشاعر د. عبد الله السلّمي، من خلال ثلاث قراءات تكاملية: جمالية، أسلوبية، ورمزية/فلسفية. الهدف هو تقديم رؤية شاملة للنص، تجمع بين الجمال الفني للقصيدة، التركيب اللغوي والإيقاعي، والدلالات الرمزية العميقة.
التحليل الجمالي
القصيدة تنتمي إلى الشعر العربي الكلاسيكي من حيث اللغة والصور والإيقاع، مع روح وجدانية حديثة تصوّر صراع الحب والكرامة، والجرح والسموّ. تبدأ القصيدة بمفتتح قوي: ‘تتصنّعين الحب بعد جريمةٍ’، الذي يعلن عن ثنائية مركزية: الحب والجريمة، ويُنشئ الصراع الشعري من البداية.
الإيقاع الخارجي يعتمد على بحر الكامل أو ما يماثله، مع قافية موحدة بالألف والميم، مما يخلق امتدادًا صوتيًا يشبه صدى الألم. توظيف الصور الشعرية متقن، حيث يمزج بين الحب والموت: ‘وغَمَسْتِ سَهْمَكِ حَوضَ سُمٍّ للهوى’، مما يعكس خيانة الهوى وجرح القلب.
التحول الدرامي في النص واضح، من الاستسلام للألم إلى إعلان القوة: ‘لَن أسْتَكِينَ ولَن أكُونَ كَهيِّنٍ’، مما يشبه التطهير الأرسطي عبر الصراع العاطفي.
القصيدة تستخدم التوازي البلاغي بين الأفعال الأنثوية (تتصنّع، تبتسم) والاستجابة الذكورية (ينصب شباكًا، ينير مصباحًا)، لتوضيح صراع الهوية والثقة والجمال.
التحليل الأسلوبي واللغوي
المعجم الشعري يتوزع بين حقل الألم والخيانة وحقل العشق والجمال، مما يخلق توترًا لغويًا يعكس الصراع النفسي الداخلي.
القصيدة تستخدم تراكيب نحوية متنوعة: الجمل الفعلية (جئتِ، غمستِ، تتخلّلين) والجمل الاسمية (لَن أسْتَكِينَ)، ما يعكس دينامية الصراع بين الماضي والمضارع والمستقبل الضمني.
الصور البلاغية تتضمن الاستعارة والتشخيص والكناية: ‘تتخلّلين مع النعاس مفاصلي’ تشخيص دقيق للمرأة كطيف مؤثر، ‘أنرتُ مصباح الدجى’ كناية عن استعادة الوعي.
الإيقاع الداخلي يعتمد على تكرار الأصوات المجهورة (م، ب، س، د)، والقافية الموحدة تخلق صدى صوتيًا يشبه شهقة الألم وكتمانه.
القصيدة تستخدم الاستفهام البلاغي والطباق: ‘أتُنافِقينَ بثغرك البسّامِ؟’، وطباق الحب/الجريمة، النعاس/الآلام، ليل/نهار، نور/ظلام، لتعزيز العمق الدرامي.
التحليل الرمزي والفلسفي
القصيدة ليست مجرد خطاب إلى امرأة، بل حوار بين الإنسان وذاته الجريحة. الجريمة رمز لكسر الثقة الإنسانية، والحب المتصنّع رمز للقناع الاجتماعي.
الألم والخذلان يتحولان إلى وعي: ‘لَن أسْتَكِينَ ولَن أكُونَ كَهيِّنٍ’ يمثل التحول الفلسفي من الانكسار إلى القوة.
الضوء والظلام رمز الوعي والوهم: ‘أنرتُ مصباح الدجى’ يدل على استعادة البصيرة الروحية لمواجهة الحقيقة.
المرأة تمثل الوجه المزدوج للحياة، تجمع بين اللذة والجرح، وتصبح رمزًا للتجربة الإنسانية الكاملة، بينما الطيف يمثل ذاكرة الحب والخبرة.
الابتسامة المزيّفة تمثل القناع الاجتماعي، وتكشف عن مواجهة الإنسان للزيف الداخلي والخارجي.
فلسفة النص تتلخص في مسار رمزي: الحب ← الخديعة ← الألم ← الوعي ← السموّ، حيث يتحول الألم إلى طريق للمعرفة الذاتية.
الخاتمة
قصيدة د. عبد الله السلّمي نموذج متكامل من حيث الجمال اللغوي، الإيقاع، التركيب الأسلوبي، والدلالات الرمزية العميقة. تمثل رحلة الإنسان عبر الحب والخيانة والألم، وصولًا إلى استعادة الوعي والسمو الروحي.
تَتصَنّعِينَ الحُبَّ بعْدَ جَريمَةٍ
جِئْتِ بها وأتَيْتِ لِلْإيلَامِ
وغَمَسْتِ سَهْمَكِ حَوضَ سُمٍّ لِلْهَوى
ورَميْتِ جَوفَ الصّدْر بَعدَ غرامِ
ثُمَّ ابتَسَمْتِ وَلَم تُبالي بِالّذِي
كابَدتُهُ ِمن غَشْوَةٍ وهُيامٍ
تتَخلّلِينَ مَع النُّعاسِ مَفاصِلي
ويَئِنُّ هذا الصَّدرُ بالآلامِ
أسْهَرْتِني وجَعَلْتِني كمُسَهَّدٍ
لَيلِي نهَارِي بلْ عَليكِ سَلامِي
لَن أسْتَكِينَ ولَن أكُونَ كَهيِّنٍ
لَا لنْ تَلِينَ عَزيمَةُ الإقْدامِ
ونَصَبْتُ شَبَكاتٍ لِصَيدِ مَحاسِنٍ
فَوقَعْتِ ذا مِثْلَ الصَّريعِ أمامِي
ما صَادَني بَازٌ ولا نَسْرُ الْفَلَا
إلّا وأَنتِ تأخُذِين زِمَامِي
وأنَرْتُ مِصْباحَ الدُّجَى لِيَفِرّ مَن
كانَ الأليفَ طَوالَ ليلِ ظلَامِ
فَلْيأتنِي طَيفًا خَيالُكِ كُلَّما
إذْ ما أوَيتُ يَضُوعُ في الإنْسَامِ
تَتصَنَّعينَ تبَسُّمًا وتجَمُّلًا
أَتُنافِقينَ بِثَغْركِ البَسّامِ؟
..أ د عبد الله السلّمي..

