مقالات

خُطْبَةُ ” النَخْلَةْ ” بقلم : الفنان مارسيل خليفة

غُصْتُ في صمتي العميق في كنيسة يوحنا المعمدان ولم أشارك في الصلاة وأحسبت غياب ” جوزف ” مثل سفر يطول في الزمان وينتهي . كان حزني يشبه حزن عيدا وسارة وفدا ورجا وعلى شاكلة دموعهنّ الحارقة سكبتُ .
انتبذت مكاناً محايداً في الكنيسة أسأل داخلاً لا يقوى على الجواب : ما معنى هذا الموت !؟ أطرقت ساهماً وفيٌّ لحزن على هذا الفراق السريع .
لم أكن أعلم أنني أودعه عندما زرته قبل سفري ولا دار ذلك في خَلَدي .
ما هذه الحياة ! لعبة قصيرة تُقيم بين شقوق الزمن مثلما تقيم الدقائق بين الساعات .
في الكنيسة حملني صوت النشيد من زاوية فيّ غامض إلاّ من سحرها اللا مرئيّ . حاولت أن اصعد مع المصلّين إلى السماوات ، واجلس بين المقامات ، لأمتلىء بروح فولاذيّ وكأني اطَّهَّرتُ من تقرّح خاطري وشُفيتُ من الشّك . تلك لحظات لفحتني بيقين إيمانها ، لكنّي لا ألبث أن أعود إلى نَفْرَتي ما ان تطير النغمة .
طال القداس وعلقت سؤال الغد على صليب المجهول . للفناء مكاناً بجوار الوجود ، حيث هما يتزاحمان مثل رافدين من نهر هادر يتجمّع ماؤهما في مجرى أو مصّب ، يغيضُ في أرضٍ ، أو يفيضُ لكنّه ، في النهاية ، يحمل ثنائيّة التكوين الأبديّة .
ها أنا يا صديقي – وقد – عُدْتُ من رحلتي لأرى صورتك في مرآة المذبح . صمتك المتكلّم ، مِزاحك وارتجاج سكونك ، شدَّتُكَ والوداعة وما تبطّن فيك وما تداعى ، الحذر الشديد والشموخ .
تحضرني الآن صورة أختك ” أليس ” وهي تَكْنُسُ دربكَ من الحصى أو من بَغْتِ المفاجئة ومن عجين الحب بيديها تصنع خبزك .
الذبيحة الإلهيّة ساكنة في الكنيسة لا تحرّك المشاعر ، ولا دليل لرحيلك سوى صلاة تعلو في هواء الكنيسة كيفما اتفق .
الكل زحف إلى تناول القربان الحيّ وقد أغواهم الايمان الساطع على أرض تغطّي جرحها بورق التِّينْ .
طائر أبيض سحريّ يهبط برفق على يوحنا المعمدان ، يطوي على صورتك جناحيه ويلمّك ويقلع ويطير .
هل سيجد الفردوس في موضعه ؟!
نخرج من الكنيسة وكأنّ الموت نصب فخاخه بدهاء تام السريّة .
فماذا ستفعل في هذا الخلاء الكامل ؟
لم أدرك حتّى الساعة أن بمقدورك أن تموت ! كيف تمضي وحيداً إلى سماء ثقيلة الوطأة !
ضياع أبديّ في ليل وحشيّ في خباء الموت الواسع .
ظلام يوحّد العناصر في كهف الوجود الخالي من الصُوَرْ وَنَحِّنُّ إلى مَطَرِكَ يذيب هذا الغياب .
سيدنا المطران يودعناً هامساً : إذهبوا بسلام يا إخوتي !
إلى أين يا بولس الحبيب ؟!
أرواحنا على شجر الوقت
مشلوحة كالنعاس الخفيف
مضرجّة بنسيم الريح
ومَعْرُوقَةًًٌ بالمطر الكثيف
دُلّنّا يا أيها المعنى
ودُلَّ أرواحنا الخفيّة إليك
جوزف لويس خليفة سنشتاقك أبداً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق