مقالات

حياة ماعز – بقلم رياض الصالح

صدقني يا عزيزي أني لن آخذك إلى ضجة الجدال الصاخب بين المؤيدين والمعترضين على حكاية هذا الفيلم .. فلست من المقتنعين بالخير المطلق ولا الشر المطلق .. كل ما تراه عيني في الحياة لا يحتمل الأحكام المطلقة .. يا صديقي
لكنني قضيت وقتاً من عمري مع تلك الأغنام والماعز التي تصدرت العنوان .. وهذا ما استفزني للحديث عن حياة الماعز .. حيث شدني العنوان لأفكّرَ بمقصد القصة .. إن كانت اعتراضاً على الحياة بين الماعز .. حيث يمكنني أن أعترض على هذه الفكرة الخاطئة .. بحكم أني عشت معها وصادقتها وأحببتها حتى ألهمتني الحياة معها بالكثير من مبادئي وآرائي وأفكاري .. فلا أخجل من التصريح باشتياقي لتلك المشقّة الملهمة وتلك المعاناة الجسدية التي تسوق السعادة بالاستغناء عن عالم البشر المرهق للروح والمحيّر للعقل بصفاته المختلطه وأفعاله المتعارضة ومبادئه المتلعثمة ..
أما إن كان المقصد تركيزاً على الماعز البشري ورضوخه لمواصفات الذلّة وقبوله بالعيش مع تعطيل مستلزمات الكرامة .. فحقيقة يا صديقي .. أنا سأتفق بالكامل مع ضرورة طرح هذا النموذج والتركيز على فضح جميع المشاعر والحاجات المساعدة على توالد مثل هذا النوع من الخضوع والإذلال .. فدعني الآن من تناول ممارسات الظلم من قبل الظالم فقناعاتي المتشكلة من تجاربي المتواضعة مع الإنسان بشكل عام تثبت لي دوماً بأننا مخلوقات تميل لظلم الغير خاصة إذا توافرت الظروف المساعدة على ذلك .. ويكفيني ذلك التنَمُّر الذي يمارسه القوي على الضعيف من عهد الطفولة وحتى الشيخوخة والإحصائيات تثبت هذه العادة المستمرة في البشر والتي تنشيء مجموعة العقد النفسية وحالات الرهاب المستعصية على العلاج لتزيد من نسب ضعيفي الشخصية ومنعدمي الثقة في المجتمع وهي نِسَبٌ كبيرةٌ على الغالب ..
لذلك يا عزيزي .. كان لا بد من تناول حياة ذلك الماعز المتقبل للمذلة بشيء من الانتقاد وتركيز الضوء على حياة الرضا بالمذلة والهوان .. فإن تخطي مثل هذا الموضوع يصنع إنساناً ضعيفاً غير قادر على مواجهة مشاق المجتمع وعثراته المتراكمة من كثرة المزاحمة والمنافسة والأنانية .. فأنا مع القائل:
أنا لا ألومُ المُستَبِدَّ إذا تَجَبَّرَ أو تعَدّى
فسبيلُهُ أن يستبِدَّ وشأننا أن نستَعِدَّ
أما ادّعاء طيبَة القلب، وحبّ الغير، والحرص على مشاعر الآخر ثم سوقها كمبررات كافية لاستسلام الفرد لظلم القوي، أو التحجّج بالظروف السيئة وقلة ذات اليد وكثرة الاحتياجات لتزيين المهانة والتسويق للمداهنة ومزاولة الترجّي وتسوّل اللقمة أو الكلمة الطيبة .. كل هذا لن يغيّر فكرتي بأن الحرية تنغرس في جينات غرائز المرء منذ لحظة شهيقه الأولى وتنفّسه هواء الحياة الطليق.. وهو مكَلّفٌ بالحفاظ على هذه الأنفاس الطيّبة وحمايتها ذاتيّاً وعدم الرضوخ لأطماع الآخرين بالاستيلاء عليها، ثم تعويد نفسه على احترام ذاته لأنه بذلك سيحترم ذوات الآخرين تلقائياً فيتشكل لديه معالم الذوق ومكارم الأخلاق وحسن المعاملة .. وإلا فسيسقط حسب نظرية البقاء للأقوى من قائمة التطور النوعي وينضم إلى قائمة المنقرضين ..
ومن ناحية أخرى .. فالدولة أو الأمة التي تهيّء الظروف لمواطنيها من أجل العيش بهذه الكرامة فأجزم أنها استوعبت مكانتها بين الدول والأمم .. وأجزم كذلك أنها تجاوزت عقدة الانحطاط الفكري والرغبة في استعباد البشر.. وستكون حقلاً ممتلئاً بالحرية الخضراء التي تفسح المجالات لسكانها بالإبداع والابتكار وتكون نموذجاً يُحتذى به وقدوةً للغيورين .. إما كذلك .. وإلا سيظل العتاب والصراخ واللوم والإنكار هو سيّد الساحة المعترض على العبد الآبق مع بعض التوابل من الظلم والقسوة والقهر والإذلال ثم تطويب ملكيّة دائمة في سجلات دول العالم الثالث أو الأدنى من ذلك مهما بلغت وطال بها الزمن ..

# بقلمي
# رياض الصالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق