مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية الشيخ والجرّة من الفولكلور السوري حيلة لا تخطر على بال ( الحلقة 1 )

كان لرجل عجوز ثلاثة أبناء، أفنى عمره في تربيتهم، والعمل على إسعادهم، وقد سعى إلى تزويجهم جميعاً، ثم قسم فيهم أمواله، كي يباشر كل واحد منهم حياته مستقلاً، وأبقى الرجل لنفسه داراً صغيرة، أقام فيها وحده، يمضي فيها بقية عمره، قانعاً بالقليل، هانئاً بقيامه بواجبه نحو أولاده، وقد تمنى عليهم أن يزوروه بين حين وحين، كي يسعد برؤيتهم.‏ولقد أخذ الأولاد بالتردد على أبيهم، كما أوصاهم، ولكن مع الأيام زادت مسؤولية كل واحد منهم، كما زاد اهتمامه بالحياة، واشتغاله بها، فقلّت زيارتهم لأبيهم، ثم نسوه، حتى بات وحيداً، وهو الذي قسم بينهم ما كان يملك من أموال، وما هي إلا سنة أو سنتان، حتى قل ما ادخره لنفسه، وبات مهدداً بالجوع والحرمان، فحار في أمره، ولم يجد ما يفعل؟! فقصد أولاده واحداً واحداً، يسألهم عن أحوالهم، من غير أن يبدي لهم شيئاً من الضيق، فأبدوا كثيراً من الجفاء، فلما عاتبهم في إهمالهم إياه، أنكروا عليه ذلك، ولاموه، إذ يكفيهم -كما ادعوا- ما هم فيه من مسؤولية، وانشغال بأسرهم وأحوالهم.‏
ورجع الأب من لقاء أولاده مخذولاً، نادماً على تفريطه بما كان لديه من مال، آسفاً على ما كان له من عزّة وجاه، ومضى إلى بيته، لا تحمله قدماه، من الحزن والألم، وقبع في ركن داره، يقتصد في طعامه وشرابه، وهو في كرب وضيق، والأيام تمرّ به قاسية مؤلمة، حتى أمسى في أسوأ حال، فقد بلي ما كان عنده من ثياب، وكاد ينفد ما بقي لديه من مال، وهزل جسمه، وتغير لونه، ودب فيه العجز، فلم يجد بداً من أن يقصد أحد أصحابه، ليجد شيئاً من العزاء، والنصيحة. ‏وحين لقيه صاحبه، ورأى ما صار إليه من حال، عاتبه ،ولامه على تفريطه بأمواله ثم أعطاه حفنة من الدّنانير الذهبية ،ونصح له أن يعمد إلى أرض غرفته، التي هو فيها، فيحفر فيها حفرة، ثم يضع فيها جرة فارغة، ويجعل فوهتها مع مستوى الأرض، ثم يرمي فيها ما يكنسه كل يوم من أرض الغرفة، وفناء الدار، من غبار وتراب، حتى إذا امتلأت ،وضع فيها الدنانير الذهبية، وأغلق فوهتها ، وغطاها بالحصيرة التي يصلّي عليها، ووعده صاحبه أن يزوره، حين تمتلئ، ليخبره بما يجب عليه فعله، بعد ذلك.‏
ورجع الأب إلى بيته، وقام على الفور بتنفيذ ما نصحه لبه صاحبه، دون أن يفهم ما دبره من حيلة ،ولم يمض شهر حتى امتلأت الجرّة، أو كادت، بما كان يرميه فيها من غبار وتراب، ،ثم وضع فوقها الدّنانير التي أعطاها له صديقه ثم أغلق فوهتها، وغطاها بالحصية، وقعد ينتظر. ‏ولما زاره صاحبه، عرض عليه ما فعله، ففرح بذلك، وأخبره أنه سيمر بأبنائه واحداً واحداً، ليؤكد لهم أن أباهم مازال بخير، وأنه يملك كنزا من الذهب وجده مدفونا في غرفته، وأنهم قصروا في حقه ،وسيأتي بمن يخدمه ويعطيه الذهب، ثم نصح الشيخ أن يحلق ويتعطر وسيرسل له إبنته، ويقول لهم أنّه سيتزوج الفتاة ،ولمّا يموت سيعطيها كل ما يملك الذهب والبيت زيارتهم،جاء الأبتاء الثلاثة يجرون فوجدوا أباهم في أحسن حال والدار نظيفة والمائدة منصوبة وفتاة جميلة تروح وتأتي،فقال لهم أن الله رزقه وتحت الحصيرة التي يصلي عليها رأى شقا صغيرا ولما حفروجد جرة مليئة بالذهب ،ثم رفع الحصيرة وأدخل يده في الجرة وأخرج حفنة الدنانير الذهبية وهي تبرق في يده .
نظر الأولاد إلى الذهب وأسرعوا يقبلون يدي أبيهم ،وهم يبررون سبب عدم مجيئهم إليه وقالوا له الأقربون أولى بالمعروف وهم وزوجاته من سيعتني به ولا فائدة في أن يتزوج فتاة كحفيدته تطمع في مالك وربما عجّلت في موتك ليكون لها البيت وما فيه

يتبع الحلقة 2

احمد حميدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق