مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية فاتو والبقرة الصفراء من الفولكلور الكردي سحر في طبق الضّيوف (الحلقة 6 والأخيرة )
الكاتب طارق السامرائي
لكن بعد قليل سمع الأب حوافر الخيل ،فأطلّ من النّافذة ،ورأى موكب السّلطان ،وفي مقدمته ( فاتو) راكبة مع الأمير ،فتعجّب لذلك أشدّ العجب ،وجرى إليها ،وحين لمحته نزلت من الحصان ،وعانقته بفرح ،وترجّل السّلطان والأشراف ،فسلّم عليهم ،ودعاهم للدار ،وصاح في إمرأته وابنته أن تعدّا الطعام والشراب للضّيوف ،وبعد أن جلس السّلطان أثنى على شجاعة( فاتو) ،حكى له ما حصل ،ووعده بتعويضه خمسين خروفا عن خرفانه الخمسة ،ولم يصدّق الأب ،وزادت دهشته ،لمّا طلب منه يد إبنته ،وقرّر إعطائها مهرا مائة من البقر ،ومائة من الخيل ،ومثلها من الأغنام ،زيادة عن الفضّة والذّهب والعطور ،كانت (فاتو) تحمل كيسها ،فدخلت غرفتها، ولبست الحرير ،وتزيّنت ، ولمّا خرجت للضّيوف، تحيّروا من جمالها، وهتف السّلطان : والله لقد أشرق بيت أبيك من شدّة حسنك ،فهنيئا للأمير أسلان بعروسته .
كانت امرأة الأب تطلّ من شقّ في باب المطبخ ،ولمّا رأت إهتمام الحاضرين بـ( فاتو) جنّ جنونها ،وقالت في نفسها: لقد كنت أنتظر أن تضيع ،أو تأكلها السّباع ،فإذا بها توقع الأمير في حبائلها ،وتجيئ به لداري ،ثم من أين أتت بهذه الملابس، وعقد اللؤلؤ الذي يزيّن رقبتها ؟ لكنّي لن أدعها تفرح ، وسأفسد خطوبتها ،من يجب أن تتزوّج الأمير هي (عيشو) ،وليست تلك اللعينة إبنة ضرّتي !!! ثمّ فتحت كتاب السّحر الذي ورثته عن جدّتها،لتبحث عن وصفة تجعل الأمير يكره ( فاتو) ،وبعد ذلك ستعرف منها سرّ الخير الذي ظهر عليها ،وفكّرت أنّها ربّما وجدت كنزا ،ولو كان الأمر كذلك، فهو من حقّها هي وإبنتها .لمّا دخلت (عيشو) المطبخ ،تعجّبت ،وسألت أمّها عن ما تفعله بهذا الكتاب ، وعندها كلّ هؤلاء الضّيوف في الدّار!!! فطلبت منها أن تهتم بالطعام ،أما هي ستفعل شيئا من أجلها ،فكرّت البنت قليلا ،وسرعان ما فهمت ما الذي تدبّره للأمير ،وأبيه السّلطان ،فقالت لها :إن لم أكن مخطئة ،فأنت ستدسّين لهما سحرا ،ألم يحن الوقت لتتوبين عن الشعوذة يا أمّي ؟ همست الأم ،أصمتي يا لعينة !!! فأختك (فاتو) ليست أحسن منك،ولا أقبل أن تتزوّج رجلا أحسن منك ،فلو تزوّجت الأمير، فمن سيبقى لك ؟
جرت (عيشو) ،وافتكّت منها الكتاب، ثمّ ألقته في التّنور، فصعد دخان كثيف ،وصاحت المرأة :ويحك ما الذي فعلته ؟ ألم أعلّمك أن تكره (فاتو) إنّها لا تستحقّ الحياة ،ولطالما أردت أن ألحقها بأمّها ،والآن سترين، ما الذي سأصنعه بك ،فلم أحسن تربيتك !!! ثمّ رفعت ،المكنسة لتضربها، لكن سمعت صوتا يقول : يبدو أنّك لم تتعلّمي في حياتك سوى اللؤم ،والغدر ،ولمّا إلتفتت وراءها ،رأت عجوزا واقفة تمسك عصاها ،فسألتها من أين دخلت ؟ ثمّ طلبت منها أن تخرج من دارها ،وإلا نادت زوجها ،فابتسمت العجوز ،وردّت عليها :ولم لا ؟ ألا يحقّ له أن يعرف من قتل زوجته أمّ ( فاتو) ؟ قالت المرأة: أنت لا تعلمين شيئا !!! أجابتها العجوز : هذا ما تعتقدينه ،فأنا أعرف من يبيعك السّموم ،وإن شئت أحضرته ،وسأجعله، يفضحك أمام السّلطان ،ولن يتردّد في جلدك حتى تظهر عظامك عقابا لك عن الشّعوذة .
خافت المرأة ،وقالت لها أنّه بالإمكان التّفاهم ،لكن (عيشو) صاحت :أحقّا يا أمّي فعلت ذلك ؟ أجابت :في كلّ الحالات كانت ستموت، لأنّها مريضة ،قالت (عيشو): خذي صرة ملابسك ،وارجعي إلى دار أبيك ،ولا تريني وجهك بعد الآن ،هل فهمت ،هيّا إذهبي قبل أن أخبر أبي ،ويطردك كالكلاب ،فلا أحد يأمن شرّك ، ودسّ السّم عندك مثل الهواء لا تقدري أن تعيشين بدونه !!! في تلك اللحظة غطّت العجوز وجهها بيدها ،ولمّا رفعتها، صارت امرأة جميلة ،وقالت لـ (عيشو ) الآن تعرفيني، فأنا ساحرة الجان ،وأمّ (فاتو) كانت صديقتي، وأنا من أرسل لأختك البقرة الصّفراء ،وعظامها ،صارت أقمشة حرير ،ولآلئ ، والآن ستتزوّج (فاتو) ،وتصير أميرة البلاد، يكفي المسكينة ما عانته من جوع وعري ،طأطأت المرأة رأسها ،وعرفت أنّه لم يعد لها مقام في هذه الدّار، وحتى إبنتها لم تعد تريدها ،فأخذت صرّتها، وخرجت من وراء البيت .
أمّا نورشان، فبحركة واحدة من عصاها السّحرية كانت أصناف الطّعام جاهزة ،ومعها ثوب من الحرير الأحمر لبسته (عيشو )،وخرجت مع نورشان ، بأتم زينتهما تحملان أطباق الطعام ،وتعجّب الرّاعي حين لم ير زوجته، وسأل إبنته عن أمّها ،فأجابته أنها غادرت الدّار من شدّة الغيظ ،ثمّ همس لها من تلك المرأة البيضاء الجميلة ،أجابته إنّها من جاراتنا ،جاءت لمساعدتنا ،فأعجبه قوامها الرّشيق ،وابتسامتها العذبة ،أمّا (عيشو) فلمّا وضعت الطبق أمام إبن الوزير ،شغف بها ثم مال على أبيه وقال له :أريد خطبة البنت ذات الثّوب الأحمر ،فقال له: كل طبقك الأوّل ،وبعد ذلك نتحدّث !!! لكن الفتى حلف أنّه لن يمدّ يده للطّعام .وبعدما كانت خطبة واحدة ،أصبحت خطبتين ،أمّا الرّاعي فرأى نورشان تبتسم له ،فكلّمها عن الخطبة ،وبعد أن كانت خطبتين صارت ثلاثة ،وبعد شهر تزوّج الأب وبنتيه ،وباعوا الدّار، وانتقلوا للعيش في القصر .
،أمّا امرأة الأب فلقد طردها أهلها لسوء أخلاقها ،وبقيت تهيم في الغابة تأكل الفطر، وتشرب من ماء الغدران ،وهي تهدّد زوجها : أنا ورائك، والزّمن طويل سيأتي يوم أسمّمك فيه ،وألحقك بامرأتك اللعينة ،ولن أتركك تفرح بالزّواج من نورشان .
.
ايام زمان / طارق السامرائي