مقالات

لماذا تم إلغاء مؤتمر المعارضة البحرينية في بغداد؟

كتب الاعلامي هاني الريس / الدنمارك

في ساعات الليل المتأخرة، التي سبقت فجر اليوم الاول من الانعقاد، ونحن متواجدين في فندق فلسطين في بغداد، وردت إلينا أنباء عاجلة وملحة مفادها، أن السلطات العراقية الرسمية والتحالف الوطني العراقي الداعين إلى المؤتمر، قد ألغوا عمل المؤتمر لاسباب بدت طارئة وخاصة، وقد وعدوا اللجنة المنظمة للمؤتمر من الجانب البحريني بالكشف عنها في وقت لاحق نظرا لضمان سريتها، وفي هذا الوقت بدأت هناك حيرة في الأمر، وتسأل الجميع عن السبب الهام والطارئ والملح الذي عطل عمل المؤتمر في وقت انجزت فيه جميع المهمات، ودار هناك جدل واسع النطاق ومتشعب حول الهدف الحقيقي من وراء الغاء المؤتمر في وقت كانت قد اجزت فيه جميع الأمور، فتحدث البعض عن وجود انقسامات طرأت في صفوف التحالف الوطني العراقي الداعي إلى المؤتمر حول الوجهة الصحيحة التي سوف يسير عليها خط المؤتمر، فيما توقع البعض الآخر بانه ربما قد توجد هناك مخاطر أمنية بعد التهديدات التي أعلنت عنها بعض التنظيمات الارهابية لتفجير مناطق حساسة في قلب بغداد، مما دعى السلطات العراقية الرسمية بتوخي الحذر، ولكن الأمر لم يكون ذلك .

واما بالنسبة لي فقد، راودتني العديد من الافكار المريبة والمشوشة، حملتني على الاعتقاد بأن هذا المؤتمر، لم يكن سوى مجرد لعبة، تريد من خلالها السلطات العراقية الرسمية، ابتزار السلطة البحرينية ومعها حكومات منظومة التعاون الخليجي، من أجل اتخاذ مواقف معتدلة معها، ومن أجل ضرورة رفع القيود الاقليمية والدولية المفروضة على الحكومات العراقية المتعاقبة بعد تداعيات الغزو الاميركي والدولي للعراق، ومن أبرزها البند السابع التي فرضته الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في العام 1991 على العراق بشأن التعويضات المالية المستحقة لدولة الكويت، والتي كانت ستكلف العراق أكثر من ملياري دولار أميركي سنويا، وهو ما سوف يستنزف اقتصاده الوطني المتدهور أصلا، ويأتي ذلك بالاضافة لحجم الديون المترتبة على العراق لصندوق النقد والبنك الدوليين التي بلغت أكثر من 5 مليار دولار أميركي، ومعرف أن العراق قد فرض عليه من مجلس الأمن الدولي قرابة 40 قرارا بسبب حرب الكويت، وأن ملف كل هذه التعويضات كلف العراق من الناتج المحلي الاجمالي ومن مجهودات اقتصاده نحو 52.4 مليار دولار أميركي، وهو الامر الذي قد حدث، حيث الغت السلطات العراقية عمل المؤتمر لهذا السبب. وعلى الرغم من ذلك كان لدي بعض الشعور بالتفاؤل حيث كنت أعتقد بأن لدى مختلف القوى المشاركة في المؤتمر، والتي أنفقت عليه السلطات العراقية ـ بحسب بعض مصادرها ـ ما بين ربع مليون ونصف مليون دولار أميركي، اقتطعتها من لقمة عيش المواطن العراقي الفقير والمنهك، وانفقتها بسخاء على مؤتمر لم يرى النور مطلقا، وأصبح بمثابة مجرد تاريخ. وكنا نأمل بأن تكون لتجمع فصائل المعارضة البحرينية المشاركة في مؤتمر بغداد، فرصة تاريخية نادرة ومؤاتية جدا، لكي تتمكن من خلال ورشات العمل التي اقامتها بعد الغاء المؤتمر، إظهار حسن النوايا والتغلب على خلافاتها السابقة وطرح أفكار جديدة وإيجابية لمسيرة العمل الوطني المشترك، وهذا الأمر هو الآخر لم يتحقق منه أي شيء بالمطلق، ومما بدت عليه الامور، فأن المؤتمر كان بالنسبة للبعض فرصة ذهبية استغلها للسياحة والبعض الآخر استغلها لزيارة العتبات المقدسة في النجف الاشرف وكربلاء وبغداد، مصطحبين معهم بعض أفراد عوائلهم .

لماذا الغي المؤتمر ؟

في ساعة متأخرة من بعد منتصف الليل، تلقى أعضاء اللجنة المنظمة للمؤتمر اتصال هاتفي ـ قيل بانه عاجل ومهم للغاية، من طرف مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري جواد المالكي، مفاده أن السلطات العراقية الرسمية قررت الغاء أعمال (مؤتمر قوى الثورة البحرينية) وحتى اشعار آخر. أرجعت مصادر مكتب رئيس الوزراء العراقي، إلى أن الاسباب التي دعت لالغاء المؤتمر، تعود إلى زيارة رسمية ومفاجئة، قام بها وزير خارجية دولة الكويت، صباح خالد الحمد الصباح، الى بغداد بهدف التشاور مع كبار المسؤلين في حكومة نوري المالكي، حول ملف اخراج العراق من ورطة البنذ السابع من قرارات ميثاق الامم المتحدة، التي أتخذتها ضده في حقبة سنوات الغزو العراقي لدولة الكويت، والذي كان نوري المالكي وحكومته يعولون عليه لعبور مرحلة الحصار الأممي المفروض فرضا على بلادهم، بسبب عدم تسديد استحقاقاتها من التعويضات، وبحسب مسؤول عراقي كبير، فأن مصلحة العراق في مشاوراتها للخروج من هذا البند المعقد والصعب، هو أهم وأجدى من رعاية مؤتمر للمعارضة البحرينية على الاراضي العراقية وقد يتسبب لها بمشاكل كبيرة وخطيرة، أو قطيعة سياسية ودبلوماسية تامة ليس فقط مع الحكومة البحرينية، بل أيضا مع حكومات مجلس التعاون الخليجي برمته، وكذلك استمرار فرض العقوبات. وفي اليوم الذي تم فيه الغاء المؤتمر، كنت أنا على موعد مسبق للظهور على شاشة قناة “العالم” الاخبارية، من أجل الحديث عن ابرز المهام التي يمكن أن تطرح داخل المؤتمر، ولكنني قبل وصولي إلى مبنى القناة تلقيت مكالمة هاتفية من أحد أعضاء اللجنة المنظمة للمؤتمر، طالبني خلالها بعدم التطرق إلى أي موضوع كبير أو صغير يشير إلى سعي المعارضة البحرينية للاعلان عن تشكيل حكومة منفى. في مقابل ذلك كانت المعارضة البحرينية تعول علي ذلك المؤتمر في انجاح مشروعها السياسي، وتعطشها واندفاعها للاعلان عن حكومة المنفى وبشتى الطرق، ولكن قرار الالغاء قد خيب جميع ضنونها وآمالها نحو تحقيق هذا الهدف، ومن هنا طويت صفحة ذلك المؤتمر، والذي قد كلف الجميع الكثير من الجهد والمال والعمل، وعلى الرغم من ذلك لم يقدم أي مسؤول عراقي اعتذاره للجنة البحرينية المنظمة للمؤتمر، ولم يكلف أحدا منهم نفسه لمقابلة وفد المعارضة البحرينية الذي كان يقيم في فندق فلسطين في الكرادة الشرقية في بغداد، سوى احد كبار المسؤولين في الدولة العراقية، هادي العامري، الذي التقى بالوفد بناء على موعد مسبق كان مطروحا في جدول عمل المؤتمر، حيث عقد في احدى قاعات الفندق ندوة سياسية قصيرة تحدث خلالها عن الوضع الامني المأزوم في العراق والصراعات في المنطقة، وكذلك الاوضاع السياسية والامنية المستعرة في البحرين منذ تفجر الحراك المطلبي الدامي والمؤلم في الرابع عشر من شياط/ فبراير 2011، وأشاد بالجهود التي تبدلها المعارضة البحرينية في الداخل والخارج من أجل نيل كافة الحقوق المشروعة التي تتطلع لها .

ورش عمل هامشية بدلا عن المؤتمر

قضى وفد “قوى الثورة البحرينية”، أكثر من عشرة أيام متواصلة من الاقامة السعيدة والمرفهة، مابين مدن بغداد وكربلاء والنجف. وناقشت ورش العمل، التي كانت هي في الاساس مدرجة في البرنامج العام للمؤتمر ( توحيد الرؤى والمواقف السياسية، وآليات تنسيق العمل المشترك بين فصائل الثورة البحرينية، وإمكانية تشكيل حكومة بحرينية في المنفى في وقت لاحق، وعرض بروفيل/ رؤية التحالف من أجل الجمهورية، وإستعراض الوضع الانساني والحقوقي في البحرين) كانت هناك مواقف متباينة حول تلك المواضيع واهدافها وتطلعاتها للمستقبل، ولكن لم تكن بتلك الجدية في النقاش والعمل.

وإنطلقت دعوة جديدة لعقد مؤتمر آخر في بغداد نفسها، بعد عدة شهور لاحقة. كان هناك تصويت عام على تسمية التحالف الجديد لقوى الثورة البحرينية، التي ستقود النضال المستقبلي في ساحات الخارج، والتي سوف تتحمل مسؤولية الاعداد للمؤتمر “القادم” وطرحت حينها عدة أسماء لهذا التحالف والشعار الذي سوف يرفعه، ومن بين الاسماء الكثيرة التي طرحت فاز بالاجماع اسم قوى (قوى ثورة 14 فبراير في البحرين) الذي تقدم به ممثل التيار الرسالي (الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين “سابقا” السيد جعفر السيد كاظم العلوي.

كما تم التصويت بالاجماع على تشكيل مكتب تنسيقي للتحالف الجديد الذي سيقود المرحلة اللاحقة، وتكليف ثلاثة أشخاص،هم (عباس العمران، وجواد عبدالوهاب، وهاني الريس) من أجل العمل على صياغة البرنامج السياسي والنظام العام واللوائح الداخلية، ومتابعة الانشطة المختلفة لهذا التحالف، والتنسيق للمؤتمر الثاني الموعود (الذي هو أيضا لم يرى النور مطلقا، وظل حبيسا في طي النسيان) وذلك بسبب الاهمال وقصر النظر وتخلي اثنان من المكتب التنسيقي (جواد عبدالوهاب وعباس العمران) عن القيام بواجباتهم العملية المطلوبة عندما ضربوا بعرض الحائط جميع الاتصالات التي اجريت معهم في شأن متابعة العمل للاعداد للمؤتمر القادم المقترح، ومع ذلك وللاسف الشديد، لم يكلف كلاهما نفسه حتى بتقديم شيء بسيط من الاعتذار عن هذا التقصير غير اللائق وغير المبرر، وأصبح الأمر بالنسبة لهما كما لو انه كان مجرد “مزحة وانتهت” وليس واجب نضالي يعول عليه شعب مكافح قدم كل مالديه من التضحيات الجسام على مذبح الحكم من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، ومعنى هذا نقص كبير في الممارسة المهنية لكلاهما، وقلة احترام للالتزام بالواجب المبدئي.

ويلاحظ هنا في هذا المؤتمر أن مفرداته هي نفسها تقريبا مفردات المؤتمرات السابقة التي عقدتها المعارضة البحرينية في الخارج والتي لم تنجح في التوصل إلى قواسم مشتركة حول توحيد جهودها لمواجهة التحديات التي مورست وتمارس من قبل السلطة البحرينية، وانه في مثل هذا الواقع لا يمكن للمعارضة السير قدما لتحقيق تطلعاتها نحو اجبار السلطة على تقديم التنازلات المطلوبة وتطبيع الوضع بالصورة التي يطمح لها وينشدها شعب البحرين.

الحلقة القادمة .. أربع ساعات من الحوار مع المراجع الدينية وفي ضيافتهم في النجف الاشرف.

هاني الريس

6 نيسان/ أبريل 2022

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق