تلك مدرسة أخرى في صناعة الهريسة موسومةٌ بِاسْمِ مفيد دلبح، ولا تقلُّ شأنا عن سابقتها، بل هما كفرسيْ رهانٍ جودةً وشعبيةً، وإن كانت ثلاثية المنشأ: على يد عمّه عبد القادر دلبح”أبو الفوز/فوزي”، تأسست قبل أن ينتقل إلى الأردن عام 1954م، وتعهدها زوج أخته؛ ابن عمه ممدوح بكر نصار/دلبح في الأردن، وحمل لواءَها ذاك الصبي ابن الثمانية أعوام مفيد نظمي دلبح، الذي بدأ مشواره من قباطية ببيع الفول والترمس والهريسة.
وبعد احتلال جنين عام 1967م خرج مصاباً إلى الأردن، وظل متنقلاً بين الأردن وفلسطين إلى أن حصل على ” لَمِّ الشمل” له عام 1968م، ولزوجته عام 1973م، فاستقر في جنين، وعاد بحلوى شامية لا تعرفها جنين اسمها: ” دحدح”؛ وهي عبارة عن معمول مَدْ/ طولي، لها خلطتها الخاصة.
ولد مفيد عام 1946م، وقبل أن يخطفه الموت مبكرا 2005م، حال المرض بينه وبين العمل عشر سنوات، ورغم هذه السنوات القليلة نسبيا في تلك الصنعة إلا أنه حظي بشهرة واسعة، فكان يبيع خمسة عشر سدرا في اليوم. وفي طريقه من مخبز “أبو شِتا، أو أحمد الصوص” مروراً بالحسبة القديمة إلى كراج الباصات، كان يبيع منها 10-12سدراً.
وفي مثل سنه بدأ ابنه محمد، وصحبه في تلك المسيرة اثنين وعشرين عاماً ، فكانا وجهْين لصنعةٍ واحدةٍ، أسلوباً ونهجاً. وتفنن دلبح الإبن في صناعة الهريسة بالفتسق الحلبي واللوْزْوالجوْز والجبن والكاشو، وتوسَّع فأضاف الكلاج والفطاير إلى بيْعه، وأستحدث حلوى جديدة اسمها ” شفايف” تعلمها من الناصرة.
لم يحتكر دلبح الأب بدوره تلك المهارة، وانفتح على من يرغب، فجمعت بينه وبين ماجد عبد المعطي عمرية شراكة مع نوع خاص، لا تزال قائمة منذ ما يزيد على 35عاماً، وانتقلت من الآباء إلى الأبناء.
بكل جدارةٍ شيّد مفيد نظمي دلبح صرحاً له في عالم الحلوى الشعبية، حافظ أبناؤه محمد و أحمد ونظمي و خالد على ذاك الاسم، وحيثما التفت في شوارع جنين تجد له صدىً وحضورا.
وفي سياق الحديث عن صناعة الهريسة، عاد بي محمد إلى عنوان درسٍ في كتاب قراءة الصف الثاني الإبتدائي عام 1964م، للأديب خليل السكاكيني، كيف تصنعُ الهريسة؟ فقال: تعتمد على دقة المقادير، وبنسبة: واحد كيلو سميد، وثلاثة أرباع كيلو سكر، وثلاثة أرباع لتر ماء، وتُخْلطُ المقادير يدوياً، وتُتركُ قبل الخَبْزِ سبع ساعات صيفاً، وعشر شتاءً. وبقليلٍ من اللبنِ على وجه الخليطِ تحصلُ على اللوْنِ الأحمر، ولمنعِ الالتصاق ندهنُ بالسمنة والطحينية أرض الوعاء، وحالَ خروج الخليط من الفرن نُقطِّرُهُ بقطرٍ باردٍ لمرةً واحدة، ولمزيدٍ من النكهةِ واللمعةِ نمسحُ وجهَهُ بالسمن البلدي.
تفاعل الطلاب مع عرض المقادير، وصرخ أحدهم: يا أستاذ، يا أستاذ، نسي الملح. فضحك الطلاب.